خطاب

كلمة رئيسة الوزراء أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة

ركزت رئيسة الوزراء، تيريزا ماي، في كلمتها أمام الجمعية العامة على الإرهاب والتصدي له، ومكافحة الإرهابيين واستغلالهم للإنترنت، وأفعال دول تعمل من خلال وسطاء للتسبب بعدم الاستقرار في الشرق الأوسط وغيره، إلى جانب المأساة الإنسانية في سورية ودور الفيتو الروسي فيها.

*

إننا، ونحن نلتقي في هذه الجمعية العامة، نواجه تحديات تكمن في صميم السؤال: من نحن كأمم. إنها تحديات تختبر قيمنا ورؤيتنا وإصرارنا على الدفاع عن القواعد والمعايير التي تعزز أمن وازدهار إخواننا المواطنين. وكما بيّنت في كلمتي هنا العام الماضي، فإن الكثير من هذه التحديات لا تعترف أو تحترم حدودنا الجغرافية. إنني أفكر طبعا بالإرهاب الذي عصف بالكثير من بلداننا، بما في ذلك 5 مرات في بلدي هذه السنة. وممن يؤجج هذا التهديد الإرهابي تلك الأعداد المتزايدة من الأفراد الذين ينجذبون نحو الفكر المتطرف، وهم ليسوا فقط ممن يعيشون في الأماكن التي ابتليت بالصراع وعدم الاستقرار، بل إن كثيرين منهم ينجذبون عبر الإنترنت وهم في بيوتهم على بُعد آلاف الأميال من تلك الصراعات. وأفكر أيضا بتغيّر المناخ الذي يؤدي إلى استنزاف الكوكب الذي سنورّثه لأطفالنا.

وتشغلني أيضا التحديات الهائلة الناتجة عن النزوح الجماعي للبشر. الكثير منهم لاجئون فارّون من الصراع والاضطهاد. وآخرون، مهاجرون اقتصاديون، مستعدون للمجازفة بكل شيء في رحلات بحرية محفوفة بالمخاطر في بحثهم اليائس عن حياة أفضل لهم ولأطفالهم. ومن خلال هذه الهجرة نرى أيضا تحديات التفاوتات الاقتصادية بين الدول وفي داخلها. إن هذه التفاوتات، إضافة إلى الضعف في النظام التجاري العالمي، تهدّد بتقويض الدعم لقوى الليبرالية والتجارة الحرة اللتين أسهمتا بالكثير للدفع بعجلة النمو الاقتصادي. وهي تدفع بعض الدول نحو الحماية التجارية اعتقاداً منها بأن الحماية هي السبيل الأمثل للدفاع عن مصالح شعوبها.

وبينما يكابد النظام العالمي كي يقوى على التكيف، فإننا نواجَهُ بدول تستهتر عمْداً، ولمنفعتها الخاصة، بالقوانين والأعراف والمعايير التي أمّنت ازدهارنا وأمننا الجماعييْن. ونواجه الاستخدام الذي لا يُغتفر للأسلحة الكيماوية من جانب النظام السوري ضد أبناء شعبه، ولربما كان أكثر ما يشغل تفكيرنا اليوم هو المحاولات الفظيعة من جانب كوريا الشمالية لنشر الأسلحة النووية والتهديد باستخدامها.

أعتقد أن السبيل الوحيد أمامنا للرد على هذه الطائفة الضخمة من التحديات هو الوقوف معاً للدفاع عن النظام الدولي الذي عملنا جاهدين على إقامته، والدفاع عن القيم التي نتمسّك بها. ذلك أن القيم الجوهرية التي نشترك بها، قيم الإنصاف والعدل وحقوق الإنسان، هي التي خلقت السبب المشترك بين الدول كي نعمل معاً لمصلحتنا المشتركة ونقيم نظاما تعدّدياً. وهذا النظام نفسه المستند إلى القوانين والذي بلورناه - بما فيه من مؤسسات وأطر عمل دولية لتجارة حرة نزيهة، واتفاقيات كاتفاق باريس للمناخ، وقوانين ومواثيق كاتفاقية عدم انتشار الأسلحة النووية - هو ما يمكّن من قيام التعاون الدولي الذي نستطيع من خلاله أن نحمي تلك القيم.

أجل، إن الغرض الوجيه لميثاق الأمم المتحدة هو الحفاظ على الأمن والسلام الدوليين، وإقامة علاقات ودية بين الأمم، وتحقيق تعاون دولي في حلّ مشاكل اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية أو ذات طبيعة إنسانية؛ وأن تكون محور تنسيق جهود الدول في سبيل تحقيق هذه الغايات المشتركة. وإنني لا أرى في هذه الغايات مُثُلاً للتغني بها ولاعتناقها لمجرّد المباهاة بها. إن هذه القيم، والقوانين التي تغرسها في النفس، تعتبر محورية لمصلحتنا القومية، ولأمننا وازدهارنا. والنظام الدولي الذي تكمن الأمم المتحدة في صميمه هو القوة الدافعة التي تمكن الدول من التعاون والعيش وفقا للمعايير قولاً وروحا وفعلا، من أجل منفعتنا الفردية والجماعية.

لكن إذا تبيّن أن هذا النظام الذي وضعناه لم يعُد قادراً على مواجهة تحديات زمننا، فلسوف تكون هناك أزمة إيمانٍ بالتعددية والتعاون العالمي بشكل يضر بمصالح كل شعوبنا. وعليه، فإن من يؤمن منا بقيمنا المشتركة، والذين يؤمنون بالرغبة في الدفاع عن نظمنا ومعاييرنا العالية التي بلورت العالم الذي نعيش فيه وحمته، لا بدّ وأن يناضلوا وبصورة أقوى من أي وقت مضى ليظهروا أن مؤسسات كالأمم المتحدة يمكن أن تخدم الدول التي أسستها والشعوب التي نمثلها نحن.

إصلاح الأمم المتحدة

هذا يعني إصلاح الأمم المتحدة والنظام العالمي الأوسع نطاقا حتى يتمكن من إثبات جدارته في مساعدتنا على مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين. كما أنه يعني أن أولئك الذي يسخرون من قيمنا وروح نظامنا الدولي سوف يحاسَبون، وأن الدول تتحمل مسؤولياتها وتؤدي دورها في حماية وتجديد النظام الدولي المستند إلى الأنظمة والقوانين، والذي يمكن أن يحقق الازدهار والأمن لنا جميعا.

علينا أولا التأكد من أن بإمكان مؤسساتنا التعددية تحقيق التطلعات التي أقيمت من أجلها. لننظر إلى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التي تعتني بأولئك الذين أخرجوا من ديارهم. وبمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية التي تسعى جاهدة لأن يصبح العالم خاليا من الأسلحة الكيميائية. واليونيسيف التي تساعد الأطفال المعرَّضين للخطر. هذه جميعها مهمات حيوية ولا شك أن للأمم المتحدة دوراً تلعبه فيها. ولهذا السبب تقوم المملكة المتحدة منذ أكثر من 70 عاما بدور ريادي داعم لهذه المنظمات وغيرها كثير.

غير أن علينا أن نعترف أيضا بأن الأمم المتحدة عانت عبر تاريخها من وجود فجوة عسيرة لا يمكن جسرها، فجوة بين نُبل وسمو أغراضها وفعالية أدائها. ففي وقت تشتد فيه الحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى اتخاذ إجراء متعدد الأطراف، فان عيوب الأمم المتحدة ومؤسساتها تجازف بتقويض ثقة الدول كأعضاء وكمانحين. بل إن الأهم من هذا هو المجازفة بفقدان ثقة وإيمان أولئك الذين يعتمدون على القبعات الزرقاء، الذين يعتمدون على من يحملون هذا الشعار الذي أقف أمامه اليوم منتظرين قدومهم لإغاثتهم في أحلك الساعات.

وعليه، لا بدّ لنا من البدء بدعم أجندة الإصلاح الطموح الذي يتزعمه الأمين العام غوتيريش حاليا لخلق منظمة أكثر شفافيةً ومرونة وترابطا. وسيكون الكثير من هذا الجهد عمليا ولا تألق فيه. وسيتطلب من الأمم المتحدة أن تحقق تعاونا ميدانيا أفضل بين الوكالات، وتزيل التنافس على التمويل، وتحسّن المساواة بين الجنسين. غير أنها سوف تتطلب أيضا قيادة حقيقية لمواجهة القضايا الضارة التي اكتنفت الأمم المتحدة. ومن هنا فإنني أرحب بمجموعة القيادة الجديد التي تعمل مع الأمين العام المعنية بمنع الاعتداء والاستغلال الجنسي في عمليات الأمم المتحدة، وإنه ليسرّني أن أكون جزءاً من هذه المبادرة.

إن علينا، نحن دول الأمم المتحدة، أن نساند الأمين العام في هذه الإصلاحات، وبوصف بريطانيا دولة عالمية التوجهات، وثاني أكبر متبرع للأمم المتحدة، فإن المملكة المتحدة تظل ملتزمة بإنفاق 0.7% من إجمالي دخلها القومي على التنمية والإغاثة الإنسانية. وسوف نستعين بقواتنا المسلحة لدعم حفظ السلام، كما سيواصل دبلوماسيونا العمل على معالجة الصراعات ودعم جهود بناء السلام. وبدورها، لا بدّ للأمم المتحدة ووكالاتها أن تكسب ثقتنا بأن تبرهن لنا وللشعوب التي نمثلها بأنها قادرة على أداء مهامها. ومن هنا سوف نستمر بسخائنا في التمويل، لكننا سوف نرصد 30% منه لدفعه حصرياً لأقسام الأمم المتحدة التي تحقق نتائج مرضية.

لكن الأمر لا ينحصر في إصلاحات فنية وحسب، رغم ما لها من أهمية. بل يتعلق أيضا بإصلاحات تمكّن الأمم المتحدة من الرد فعليا على التحديات العالمية في القرن الحادي والعشرين. في جلسة الجمعية العامة العام الماضي تعهدنا ببذل أكثر من ذلك لمعالجة تحديات تدفق اللاجئين والمهاجرين. واتفقنا على بلورة عدد من الاتفاقات للتصدي لأسباب وعواقب التنقلات الجماعية للبشر التي نشهدها اليوم. وقد كانت تلك خطوة مهمة لرفع درجة استجابتنا العالمية بصورة كبيرة، وتمكيننا جمعيا من معالجة تحدي زماننا هذا.

وبالتالي إلى جانب الاتفاق على مبادئ هذه الاتفاقات في السنة القادمة، علينا ضمان إمكانية تطبيقها عمليا. علينا بذل المزيد لمعرفة اللاجئين وحمايتهم وتقديم المساعدة لهم ولمن يستضيفونهم في المناطق القريبة من الصراع. وفيما يتعلق بالهجرة، لا بد وأن تكون نقطة البداية هي القول بأنها يمكن أن تفيد كلا من الدول واللاجئين أنفسهم، لكن فقط حين تكون الهجرة آمنة ونظامية وقانونية ومدارة بشكل جيد. فإن لم نتمكن من إدارتها بفعالية، فإننا بذلك نخذل مواطنينا وكذلك من يخرجون في تلك الرحلات الخطيرة. ونكون بذلك نساهم في إلقاء مزيد من الناس في براثن العبودية الحديثة وفي أيدي مهربي البشر وجماعات الجريمة المنظمة التي تدير هذا القطاع اللاإنساني.

لكن الخطوات التي نتفق عليها من خلال هذه الاتفاقات لن تكون كافية. حيث إن لم يتوفر للناس العمل والفرص والأمل لأنفسهم ولعائلاتهم حيث هم يعيشون، فإنهم سيواصلون التطلع للذهاب إلى أماكن أخرى. وبالتالي علينا، كأمم متحدة وكأعضاء فيها، أن نبذل جهودا أكبر للجمع بين جهود برامجنا التنموية والقطاع الخاص والمؤسسات المالية الدولية. ذلك لأجل دعم توفير فرص العمل والمعيشة التي تعالج ليس فقط نتائج هذا التحدي الكبير في عصرنا، بل كذلك مسبباته الأساسية. حيث الواقع هو أننا لا نحقق النجاح رغم أفضل مساعينا. علينا عمل المزيد.

مكافحة الإرهاب والتطرف

الأمر نفسه ينسحب على الإرهاب، حيث التحديات التي تواجهنا اليوم تختلف اختلافا كبيرا عن تحديات العصور الماضية. حين ضرب الإرهابيون ضربتهم في لندن ومانشستر في العام الحالي، شهد العالم مدننا تتكاتف معا تحديا للإرهاب. وبرلماننا استمر في جلساته كالمعتاد. والمغنية أريانا غرانديه عادت مجددا إلى مانشستر وقدمت عرضا غنائيا فيها. وجسر لندن مزدحم بمستخدميه. ومجمعاتنا تكاتفت معا أمام مسجد فنزبري بارك في شمال لندن. وعاد اللندنيون لاستخدام قطار الأنفاق مجددا. الإرهابيون لم يفوزا، ولن نسمح لأحد بأن يدمر طرق حياتنا.

لكن التحدي وحده لا يكفي. فنحن كقادة قد ذهبنا في زيارات كثير جدا إلى المستشفيات، وشهدنا مقتل الكثير جدا من المواطنين الأبرياء في بلداننا. في العقد الماضي قُتل مئات الآلاف على يد إرهابيين في العالم. إنها مأساة عالمية حقا باتت تؤثر بشكل متزايد على حياتنا جميعا. وهذه السنة تصادف الذكرى العاشرة لمقتل المرأة التي عرّفتني بزوجي، والتي يعرفها تماما الكثيرون منا في الأمم المتحدة. إنها بينازير بوتو التي قُتلت بوحشية على يد من رفضوا بكل ثبات القيم التي ندافع عنها جميعنا هنا في الأمم المتحدة، وفي بلد عانى أكثر من أغلب البلدان غيره على أيدي الإرهابيين. قُتلت لأنها دافعت عن الديموقراطية… قٌتلت لاعتناقها مبادئ التسامح… قٌتلت لأنها امرأة.

حين أفكر بمئات آلاف ضحايا الإرهاب في بلدان في أنحاء العالم، أفكر بأصدقائهم وبعائلاتهم وبمجتمعاتهم الذين دمرهم هذا الشر، وأقول لقد طفح الكيل. وبالتالي علينا أن نستمر في مقاتلة هؤلاء الإرهابيين في ساحات المعركة. وسوف تظل المملكة المتحدة في طليعة تلك الجهود، بينما تساعد أيضا في بناء قدرات حلفائنا وشركائنا ليتمكنوا من التصدي لهذا التحدي بشكل أفضل. كما إن علينا تعزيز جهودنا بشكل لم يسبق له مثيل للتصدي لاستغلال الإرهابيين للإنترنت. حيث إن تطور خطر الإرهابيين يجب أن يصاحبه تطور في طرق تعاوننا مع بعضنا. لهذا السبب اليوم، ولأول مرة في الأمم المتحدة، سوف تجتمع حكومات وشركات من قطاع الإنترنت في المنتدى العالمي للإنترنت لهذا الغرض بالذات.

لقد حققت شركات التقنيات تقدما كبيرا في هذا المجال، لكن علينا بذل مزيد من الجهود، وبشكل أسرع، لتقليل الوقت اللازم لحذف المواد المتعلقة بالإرهاب المتوفرة عبر الإنترنت، وزيادة الجهود إلى حد كبير لمنع تحميل هذه المواد أصلا على الإنترنت. تلك هي خطوة كبيرة لاستعادة الإنترنت ممن يستخدمونها لهدف التسبب بالأذى لنا. لكن في نهاية المطاف ليس الإرهابيون وحدهم هم من نحتاج لهزيمتهم، بل كذلك علينا هزيمة الفكر المتطرف الذي يحرضهم. إنه الفكر الذي يدعو للكراهية لزرع الفرقة بيننا ولهدم إنسانيتنا المشتركة. علينا أن نكون أكثر دقة في كشف هذا الفكر وهزيمته في كافة أنحاء مجتمعاتنا.

كما قلت في أعقاب الهجوم الذي وقع على جسر لندن هذا الصيف، علينا مواجهة واقع أن ذلك سوف يتطلب خوض حديث أكثر صعوبة. نحن جميعنا بحاجة لأن نتكاتف، وأن نهزم هذا التطرف الذي يعيش بيننا، وأن نرعى القيم المشتركة التي يجب أن تنتصر في النهاية. تلك هي قيم الأمم المتحدة. لكن رغم أفضل مساعينا، فإننا كدول وكأمم متحدة لم نجد السبل أو الوسائل للقضاء حقا على هذا التهديد. لهذا السبب فإنني بينما أتحدث اليوم عن إصلاح الأمم المتحدة، أطلب من الأمين العام أن يضع مسألة مكافحة الإرهابيين والفكر الذي يحرضهم في محور جدول أعماله، وفي صميم جهودنا المعنية بالتنمية وبناء السلام ومنع الصراع. وأن يعطي هذه الجهود الأهمية التي تحتاجها. إنني أدعو الأمين العام لأن يجعل ذلك موضوع الجمعية العامة للأمم المتحدة في السنة القادمة، وأن يستغل ذلك للاستفادة من جهود الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني كي نتمكن حقا من توجيه ضربة الجيل للقضاء على هذا الشر الدنيء في عالمنا.

وبينما نفعل ذلك، علينا أن نحقق توازنا بوضوح بين حماية شعوبنا وحماية حرياتهم. وعلينا دائما الاحتراس ممن يستغلون مكافحة الإرهاب كغطاء للقمع وانتهاك حقوق الإنسان. وبالتالي، وبينما ننظر للوضع في شمال بورما، أدعو السلطات البورمية لوضع نهاية للعنف، والسماح بوصول المساعدات، وأن تطبق بالكامل توصيات لجنة كوفي أنان.

يمكننا من خلال إصلاح مؤسساتنا متعددة الجنسيات تعزيز قدرتها على تلبية احتياجات الشعوب التي نخدمها، وحماية المستضعفين، ومكافحة الظلم. يمكننا أن نتيح للتعددية مضاعفة التزاماتنا الفردية من خلال قوتها على جمعنا معا وقوتها في الإنفاق. من خلال اقتصادات الحجم التي يمكنها تحقيقها، والمعايير التي يمكنها وضعها، والقيادة الأخلاقية التي يمكنها الاستفادة منها، والشرعية التي يمكنها أن تضفيها. لكن التعددية يمكنها أن تعكس فقط القيم التي تبرزها الدول الفردية، ويمكنها فقط مضاعفة الالتزامات التي هي على استعداد للتعهد بها. والدول القوية هي التي تشكل مؤسسات قوية، والتي توفر الأساس للشراكات الدولية والتعاون الذي يحقق الاستقرار في عالمنا.

الأمن والاستقرار

وبناء عليه، يقع على عاتقنا نحن أن نقرر ما إن كنا سنلتزم بمسؤولياتنا تجاه بعضنا البعض. لقد تحدثت عن دور الأمم المتحدة في تعزيز جهود مكافحة الإرهاب. لكن تقع على عاتقنا نحن كدول مسؤوليات حيوية في هذا المجال، مسؤوليات ليس باستطاعة الأمم المتحدة معالجتها بمفردها. حيث لا مفر من أن ما نشهده في أنحاء العالم من إرهاب وصراع وعدم استقرار سببه في الكثير من الحالات أفعال دول تعمل من خلال وسطاء.

فحين تدعم دول جماعات مثل حزب الله لزيادة عدم الاستقرار والصراع في أنحاء الشرق الأوسط، أو تدعم من يطلقون على أنفسهم انفصاليين في أوكرانيا للتسبب بعدم الاستقرار على حدود أوروبا الشرقية، أو تقدم دعما ضمنيا لجماعات إجرامية تطبق هجمات إلكترونية تصيب دولنا ومؤسساتنا، فإنها بذلك تدعونا للتساؤل حول الأنظمة الدولية والقيم ذاتها التي تحمينا. لهذا السبب على المملكة المتحدة أن تظل ثابتة، على مستوى العالم وفي قارتنا الأوروبية، بشأن التزامنا ومسؤوليتنا تجاه ضمان أمن واستقرار أصدقائنا وحلفائنا مثلما دأبنا نفعل منذ أجيال طويلة.

ومثلما تقع على عاتق الدول مسؤولية عدم السعي لتحقيق مصالحها عن طريق الإرهاب أو جماعات أخرى تعمل لصالحها، فإن مسؤولية كل منها أيضا العمل معا لمواجهة أفظع الانتهاكات لقواعدنا ومعاييرنا المشتركة. فلا شك في أن الفوضى والمأساة التي نشهدها في سورية سببها الأسد. حيث إنه وداعموه قد أحبطوا باستمرار جهود الأمم المتحدة كوسيط للسلام من خلال عملية جنيف. ونحن، كدول مسؤولة، علينا عدم التخلي عن دعمنا لمحاولات الأمم المتحدة الرامية لإحلال السلام في سورية. وعلينا بالتأكيد الاستمرار بمطالبة كل من لديهم نفوذ على النظام بأن يحملونه على التفاوض حول طاولة المفاوضات.

لكن أكدت الأمم المتحدة كذلك، في الأسابيع الماضية، ما نعرفه جميعنا، أي أن النظام السوري قد استخدم الأسلحة الكيميائية ضد شعبه. وفي مواجهة ذلك، نتحمل مسؤولية التصدي للنظام السوري ومحاسبته. وهذه مسؤولية تقع على عاتقنا جميعا، وتقع بشكل خاص على عاتق الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن. والمملكة المتحدة، كواحدة من هذه الدول الخمس، تأخذ مسؤوليتها هذه على محمل الجد.

لذا أفتخر بأننا استغلينا كامل ثقل جهودنا الدبلوماسية لضمان عدم ممارستنا لحقنا بالنقض (الفيتو) منذ جيل كامل. حيث أننا نسعى لتشجيع التعاون الدولي، لا إحباطه. لكن هناك دول أخرى فعلت ذلك. وهناك دولة واحدة تحديدا مارست حقها بالفيتو في السنوات الخمس الماضية مرات تعادل استخدام الفيتو طوال النصف الثاني من سنوات الحرب الباردة. وهي بذلك منعت اتخاذ إجراء ضد نظام بغيض قتل شعبه بالأسلحة الكيميائية. وبالنتيجة، عرقلت عمل الأمم المتحدة. وذلك تسبب بتقويض القيم التي نتمسك بها ونعتز بها، والنظام الدولي القائم على احترام القواعد، والذي هو أساس الأمن والازدهار في العالم.

والآن نواجه خطرا عالميا أكثر إلحاحا من ذلك، متمثلا في أفعال كيم جونغ أون ونظامه في كوريا الشمالية. فقد أظهر مرة تلو الأخرى ازدراءه للمجتمع الدولي من الدول التي تحترم القانون. أظهر ازدراءه لجيرانه وازدراءه للمؤسسات والقواعد التي حفظت السلام والأمن. فيما يتعلق بهذا التحدي، أظهرت الأمم المتحدة في الأسابيع الأخيرة قدرتها على تحمل مسؤولياتها، حيث القرار الذي صدر يوم الاثنين الماضي عن مجلس الأمن فرض أكبر حزمة من العقوبات في القرن الحادي والعشرين. فقد شهدنا قوى إقليمية وعالمية تجتمع لإبداء قيادتها نيابة عن العالم أجمع، واضعة مصالحها الذاتية المحدودة جانبا مثلما كان الحال في ميثاق الأمم المتحدة. لكن رغم هذه الجهود، تواصل كوريا الشمالية تحدي واستفزاز المجتمع الدولي وتهديد جيرانها. وما لم يواصل كافة أعضاء مجلس الأمن الإيفاء بالمسؤوليات الخاصة التي تقع على عاتقنا، واستعدادهم لاتخاذ التدابير اللازمة للتصدي لهذا التهديد سعيا لحل هذه الأزمة، فلن نتمكن من إحلال الاستقرار في شبه الجزيرة الكورية.

وبالتالي، وبينما تتجه أنظار العالم إلينا، أدعو لاتخاذ مزيد من الخطوات، ولأن تعمل الدول التي تضطلع بهذه المسؤوليات الخاصة مع بعضها البعض وتمارس الضغوط التي نعلم بأنها ضرورية لإرغام كيم جونغ أون على تغيير مساره. فلنحاول عدم الفشل هذه المرة. ولتكن رسالتنا لكوريا الشمالية واضحة. فإن عزمنا على الالتزام بهذه القواعد أقوى كثيرا من عزمها على تقويض هذه القواعد.

السيد الرئيس، لقد أظهرت الدول مرة تلو الأخرى، طوال تاريخ الأمم المتحدة، بأن من خلال احترامنا لقيمنا وقواعدنا ومعاييرنا يمكننا العمل معا والتنفيذ بطرق لها أكبر أثر على حياة الشعوب التي نخدمها. وأعتقد بأن باستطاعتنا أن نفعل ذلك مجددا، بل وسوف نفعل ذلك مجددا.

تاريخ النشر 20 September 2017
تاريخ آخر تحديث 22 September 2017 + show all updates
  1. Russian translation added

  2. First published.