خطاب

أوقفوا القتال في سورية وأفسحوا المجال لموظفي الإغاثة كي يقوموا بعملهم

كلمة السفير جوناثان آلين، نائب الممثل الدائم للمملكة المتحدة لدى الأمم المتحدة، في جلسة الإحاطة التي عقدها مجلس الأمن حول سورية (الشؤون الإنسانية).

Ambassador Jonathan Allen at UNSC

شكرا جزيلا، السيد الرئيس، ومرحبا بكم في المجلس هذا اليوم. وأرحب أيضا بوزير الخارجية الألماني الذي كان محقاً تماماً، في اعتقادي، حين قال إن الكلمات تقف عاجزة بشكل لم يسبق له مثيل، عن وصف المعاناة الإنسانية الفظيعة في إدلب. وهذا صحيح تماماً، إذ أننا نرى العواقب الإنسانية الوخيمة للعنف المتصاعد الذي يمارسه النظام السوري وروسيا في محافظة إدلب.

لقد سأل الممثل الروسي أنْ لماذا تجد الوكالات الإنسانية صعوبة بالغة في حماية الناس، أولئك البؤساء المُعوزين الذين يعيشون حالياً في العراء. والجواب هو لأنهم يتعرضون للقصف، وتنهال عليهم القذائف ولأنهم عُرضة للهجوم عليهم. من الصعب للغاية حقا تقديم المساعدة للناس في هذه الظروف. إن ضراوة ووتيرة الحملة العسكرية السورية والروسية تعني أن المدنيين القادرين على الخروج في الوقت المناسب لا مكان لهم يتوجّهون إليه. ليس لهم مأوى. إنهم يضطرون إلى المبيت في العراء. والأطفال يتجمدون حتى الموت، بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

في الجلسة الأخيرة لمناقشة الوضع الإنساني، قلنا إن أكثر من 358,000 شخص قد شُرِّدوا من ديارهم منذ الأول من ديسمبر. وقد تجاوز هذا العدد الآن 948,000 - علماً بأن 80% منهم نساء وأطفال. وأودّ القول لزملائي أعضاء المجلس أنه ينبغي ألا يساورنا أي شك بأن هذا هو أسوأ وضع إنساني حتى الآن في هذا الصراع الرهيب. وآثار الهجمات المستمرة لا تنحصر فقط في معاناة المدنيين بشكل مباشر وحسب، بل إنها تعيق جهود الإغاثة، ما يفاقم هذه الكارثة.

كما تحدث الممثل الروسي عن الإرهاب أيضاً، وحثنا في سياق مختلف على عدم المبالغة في وصف المشاكل. وأود هنا أن أكتفي بالإشارة إلى أن السفير الروسي في لندن صرح يوم أمس في لقاء مع وسائل الإعلام بأن الإرهابيين يشكلون نسبة واحد في المئة من السكان في إدلب. وإذا افترضنا جدَلاً بأن هذا صحيح، فإنني أقول بكل بساطة إن القانون الدولي لا يسمح بمهاجمة 99% من السكان في سبيل التصدي لواحد في المئة.

وما زلنا نشعر بالجزع من استمرار تعرض البنية التحتية المدنية للهجوم. ففي يوم الأحد، ذكر متطوعو الخوذ البيضاء أن الطائرات الحربية الروسية أصابت مستشفى للأطفال والنساء في بلدة بليون، بريف إدلب. وكما قال وزير شؤون الشرق الأوسط البريطاني يوم الاثنين، فإن المملكة المتحدة أدانت ومستمرة في إدانة هذه الانتهاكات الصارخة للقانون الدولي وأبسط قواعد الكرامة الإنسانية”. واسمحوا لي أن أذكِّر جميع القوات العسكرية على الأرض، وخاصة قادتها، بأن الانصياع للأوامر السياسية لا يصلح كحجة دفاع عن ارتكاب جرائم الحرب. ولسوف يحين يوم الحساب، مهما طال الزمن. وأود أن أقول كذلك إننا نتطلع إلى صدور تقرير لجنة التحقيق التابعة للأمين العام للأمم المتحدة، ونحث الأمين العام على إعلان ما تتوصل إليه اللجنة من نتائج.

إننا بحاجة إلى وقف فوري للعمليات القتالية. ونحن نؤيد وبقوة جهود الحكومة التركية للعودة إلى وقف إطلاق النار المتفق عليه في عام 2018. ونقف وراء الأمين العام ومبعوثه الخاص إلى سورية في جهودهما لوقف العنف وإنقاذ العديد من الأرواح المعرّضة الآن إلى الخطر.

واسمحوا لي الآن أن أتطرق إلى الشمال الشرقي، وأشكر الأمين العام على تقريره المتعلق بتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2504 والبدائل لمعبر اليعربية على النحو المطلوب في القرار 2504. فهذا التقرير يوضح أنه لا يوجد بديل. ومنذ منع استخدام معبر اليعربية في التفويض لإدخال المساعدات عبر الحدود، أصبح السكان الذين يعيشون في مناطق شمال شرق سورية، والتي لا تخضع لسيطرة السلطات السورية، محرومين من التزود بالأدوية والمستلزمات الطبية التي يحتاجون إليها حاجة ماسّة. وبدون استخدام معبر اليعربية أو توفير بديل موثوق له، فإن مخزون المنشآت الطبية من الأدوية الحيوية سوف يتضاءل، ما يشكل خطراً على استمرار عمليات هذه المنشآت - والمرضى السوريين الذين يعتمدون عليها.

وكما قال الكثيرون، فإن ما يبعث بشكل خاص على القلق هو مخزون منتجات الصحة الإنجابية. فنحن ننظر بكثير من القلق إلى التوقعات التي تقول إن هذا المخزون في الشمال الشرقي يمكن أن يستنفد بحلول نهاية شهر مارس، وهو ما يحول دون إجراء العمليات الضرورية جداً كالجراحة القيصرية – وهي مأساة يمكن منع وقوعها بالنسبة للنساء السوريات، وعلى نطاق أوسع فإن الإمدادات المتوفرة حاليا سوف تنفد بحلول شهر مايو.

لقد قال الاتحاد الروسي أننا يمكن أن نثق بالسلطات في دمشق في مجال توزيع المساعدات في جميع أنحاء سورية. حسناً، فلنجرب ذلك. وقد كان هناك بطبيعة الحال ترحيب بقيام السلطات السورية في الساعات والأيام الأخيرة بإعطاء الإذن بإيصال المعونات الإنسانية. غير أننا سمعنا وعودا من قبل. لكن ما يهم هو ما يحدث فعلياً على أرض الواقع. وفي هذا الصدد، نريد من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن يقدم إلى مجلس الأمن بيانات منتظمة ومفصَّلة حول أداء النظام السوري عندما يتعلق الأمر بالمساعدات الإنسانية عبر خطوط التماس وفي المناطق التي تسيطر عليها السلطات.

ويوضح تقرير الأمين العام أن ردود النظام على الطلبات تتأخر لعدة أشهر؛ وحتى عندما تصدر الموافقة، فإنها لا تسمح بالمرور إلا لأقلّ من النصف. وعادة ما تُزال الإمدادات الطبية الرئيسية من حمولة قوافل المساعدات. وفي عام 2019 لم تعبر أي قوافل برية على الإطلاق من دمشق إلى الشمال الشرقي من سورية. وفي المناطق التي يسيطر عليها الأسد، نرى أن المساعدات الإنسانية تُحجب عن البلدات والأحياء التي تعتبر غير موالية للنظام. ومن هنا فإننا بالكاد نثق بوعود السلطات السورية. ومع ذلك، نطالبها مرة أخرى للوفاء بالتزاماتها الإنسانية وندعو حاميتها روسيا إلى حملها على فعل ذلك.

لكن، ومن أجل الأبرياء الذين يموتون في سورية، فإنه لا يوجد بديل لإدخال المساعدات عبر الحدود.

تُعدّ المملكة المتحدة ثالث أكبر مانح في الاستجابة الإنسانية التي تقودها الأمم المتحدة في جميع أنحاء سورية. فقد خصصنا في هذه السنة المالية 152 مليون دولار للمشاريع التي تنفذها المنظمات التي تنقل المساعدات عبر الحدود، وبشكل أساسي إلى شمال غرب سورية. ومنذ بدء الصراع، رصدت المملكة المتحدة أكثر من 4 مليارات دولار من التمويل للمساعدات الإنسانية استجابة لآثار هذا الصراع، ونظل ملتزمين بتقديم المساعدات للمحتاجين إليها. ونريد مواصلة تقديم هذه المساعدات التي تشتد الحاجة إليها. ولا بدّ لنا من ضمان أن المساعدات ستصل إلى من هم في أمسِّ الحاجة إليها، أينما كانوا، وعلى أساس المبدأ. لذلك، وإلى أن تتضح الأمور بالنسبة لمستقبل عمليات إدخال المساعدات عبر الحدود بعد شهر يوليو، ونظراً لتدخل السلطات في دمشق وعرقلتها للمساعدات، فإننا سننظر بجدية تامة في هذه المسألة.

ووفقاً لما كان قد أعلن في المجلس من قبل، وكما قال آخرون هنا اليوم، فإننا لن ننظر في تقديم أي مساعدات لإعادة الإعمار حتى تبدأ عملية سياسية موثوقة وجوهرية وحقيقية. لقد كانت مساهمة روسيا في سورية هي تقديم معدات عسكرية وقنابل تسقط شعبها، وليس مساعدات للتنمية. ولا بدّ لهذا الأمر أن يتغير.

إننا نواجه أسوء أزمة إنسانية في أسوء صراع في العالم. رجال ونساء وأطفال أبرياء يموتون وسوف يموتون في حال عدم فعل شيء حيال ذلك. ويتوقف الأمر على سورية وروسيا في تقرير إنقاذ أو هلاك الأرواح هناك. إنه خيارهما. فالشيء الإنساني واللائق بالكرامة الإنسانية الواجب فعله هو وقف القتال والسماح بدخول موظفي الإغاثة والأطباء ليقوموا بعملهم.

القرار في أيديهما.

تاريخ النشر 27 February 2020