خطاب

"إنهاء معاناة الأقليات العرقية والدينية في الشرق الأوسط يكمن في القيادة"

كلمة وزير شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، توباياس إلوود، في جلسة مفتوحة لمجلس الأمن حول ضحايا الاعتداءات والانتهاكات على أساس عرقي أو ديني في الشرق الأوسط.

تم نشره بموجب 2010 to 2015 Conservative and Liberal Democrat coalition government
Tobias Ellwood

في الأسبوع الماضي كان لي شرف يشوبه الحزن بأن أتحدث إلى جانب أصدقاء أكراد في المملكة المتحدة أثناء فعالية نظمت بمناسبة الاعتداء على حلبجة بمواد كيميائية عام 1988. وفي 14 إبريل سوف تحيي المملكة المتحدة ذكرى يوم الأنفال.

وكجندي سابق، خدمت بالجيش في كل من أيرلندا الشمالية والشرق الأوسط وفي أوروبا، بما في ذلك في البوسنة والهرسك. وشاهدت بنفسي الآثار المدمرة والدائمة نتيجة الاعتداءات على جماعات عرقية أو دينية.

ورسالتي اليوم هي: إنهاء معاناة الأقليات العرقية والدينية في الشرق الأوسط يكمن في القيادة. قيادة شجاعة. قيادة تحث على التسامح وتتصدى للكراهية. قيادة تجمع بين الناس بغض النظر عن الأصل العرقي أو الدين أو المعتقد أو الجنس أو التوجه الجنسي - وتتيح لهم فرصة المشاركة التامة في المجتمع…

إننا نتطلع إلى المستقبل، لكن يمكننا أيضا أن نتعلم من الماضي.

فالماضي يمنحنا الأمل. ومنطقة الشرق الأوسط - التي وصفها خوزيه مانيويل غارسا-مارغالو بأنها مهد الحضارات - كانت مثار إعجاب على مدى زمن طويل نظرا لتاريخها الذي اتسم بالتسامح وتنوع النسيج الاجتماعي فيها، وما وُصف بأنه فسيفساء من الأديان. وقبل أن يبدأ مقاتلو داعش حربهم الوحشية ضد مواطني العراق وسورية، كان الآشوريون واليزيديون يعيشون لقرون طويلة إلى جانب الغالبية المسلمة.

وحتى في الماضي القريب، اتخذ قادة خطوات بروح من التسامح والمصالحة. ففي عام 1977 على سبيل المثال، أذهل الرئيس المصري السادات العالم حين أصبح أول قائد عربي يزور إسرائيل. وهذه الخطوة، التي كانت غير شعبية في البداية نظرا لسنوات طويلة من الصراع، أدت لتغيير العلاقات جذريا إلى الأفضل.

لكن في عام 2015، أكدت أفعال داعش الحاجة العاجلة لأن تكون أصوات المعتدلين والقيادات الشجاعة اليوم مسموعة.

فإرهابيو داعش يقتلون المسلمين وغير المسلمين على حد سواء. وليس لوحشيتهم حدود. وقد وصف تقرير صدر مؤخرا عن الأمم المتحدة بشأن العراق انتهاكات داعش واسعة الانتشار التي تشمل القتل والتعذيب والاغتصاب والعبودية الجنسية والإكراه على تغيير الدين وتجنيد الأطفال. وجميع هذه الانتهاكات شملت قصصا مروعة.

وعلى سبيل المثال، كما قالت عضو البرلمان من العراق السيدة فيان دخيل في كلمة مؤثرة جدا، تباع الفتيات والنساء اليزيديات علانية، أو تهدى لأتباع داعش، وهناك شهود وصفوا صرخات بنات صغيرات بسن ست أو تسع سنوات لدى اغتصابهن على أيدي مقاتلي داعش.

كما يدمر داعش تاريخنا الثقافي المشترك. فكما ذكرت أنت، السيد الرئيس، استخدموا الجرافات لتدمير مدينة نمرود الأثرية. إلى جانب استخدام حفارة لتشويه تماثيل في نينوى. وهناك آثار لا تقدر بثمن بيعت لتمويل وحشية داعش.

إلا أن المشكلة أكبر من مجرد داعش. وبالتالي لا بد وأن تكون استجابتنا واسعة كذلك. وبموجب المادتين 18 و20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، من واجب كل دولة عضو في الأمم المتحدة حماية كافة مواطنيها.

لكن كيف يمكننا مساندة ذلك في الشرق الأوسط؟

علينا إضعاف ومن ثم هزيمة داعش، وذلك من خلال جهود التحالف الدولي. وبحكم منصبي وزيرا لشؤون الشرق الأوسط بوزارة الخارجية البريطانية، كان جزء كبير من وقتي مكرسا للجهود الدبلوماسية.

والأولوية الأخرى الملحة هي الأزمة الإنسانية الفظيعة في أنحاء سورية والعراق - حيث اضطر 11.4 مليون سوري وأكثر من 2.5 مليون عراقي للنزوح عن بيوتهم. والمملكة المتحدة في طبيعة الاستجابة لمساعدتهم، من المساعدة في حماية اليزيديين على جبل سنجار وحتى المساهمة بمبلغ 1.2 مليار دولار استجابة للأزمة السورية ونحو 60 مليون دولار للعراق.

وهناك ما يربو على 220,000 قتيل إلى جانب النازحين في سورية، وبات هناك جيل حرم من التعليم الذي يحتاج إليه ويستحقه. سوف تتوقف نيران الأسلحة يوما ما في سورية. وعلى المجتمع الدولي أن يؤدي دوره للمساعدة في تعليم السوريين واللاجئين الأحرار. وذلك لكي يكون في سورية، على سبيل المثال، الأطباء والمزارعون والمعلمون والموظفون في الحكومة لمساعدة بلدهم على النهوض البلاد والوقوف على أرجله.

ونحن بحاجة لأن يعزز آخرون مساهماتهم عاجلا في مؤتمر المانحين الذي سيعقد في الكويت الأسبوع المقبل. فهذه هي الفرصة للمساعدة.

لكن يجب عمل المزيد لمعالجة العنف الجنسي في الصراع، ولمساعدة الناجين منه - وهو ما دعانا لاستضافة القمة العالمية لإنهاء العنف الجنسي في الصراع في شهر يونيو (حزيران) الماضي - والاتفاق على بروتوكول دولي حول توثيق العنف الجنسي في الصراع والتحقيق به.

والحكومة العراقية هي الأولى في المنطقة بوضع خطة عمل وطنية حول المرأة والسلام والأمن. لكنها بحاجة لمساندتنا الدولية. وبهذا الصدد، شكلت المملكة المتحدة وكندا مؤخرا بعثة استطلاعية للعراق - ونعمل مع الحكومة العراقية لتطبيق التوصيات.

إلا أن أفضل دفاع ضد الجنوح للتطرف، وأفضل ضمان للاستقرار والنمو المستدام في أنحاء العالم - هو وجود حكومة ممثلة للجميع وتخضع للمساءلة.

وذلك لن يتحقق بين عشية وضحاها. ولن يتحقق خلال عام ولا حتى خلال عقد من الزمن. بل إنه عمل جيل كامل. لكنه رغم ذلك عمل مهم جدا.

في بريطانيا، تعلمنا ذلك من خلال كفاح طويل. حين أن الماغنا كارتا، التي نحتفل هذا العام بمرور 800 عام على تبنيها، لم ينتج عنها فجأة مجتمع حر وعادل بين عشية وضحاها. بل إنها كانت خطوة حيوية لعملية تدريجية، شابها بعض الانتكاسات والحروب الأهلية والقمع الديني، للوصول إلى الديموقراطية البرلمانية التي نعرفها اليوم.

لكن بينما أن الجهود في الشرق الأوسط قد تستغرق جيلا من الزمن، علينا ألا ندعها تستغرق ثمانية قرون. ففي الماضي كان يمكن نقل الأفكار بسرعة سفر شخص على ظهر حصان، ونقل الرسائل من بلدة لأخرى. بينما الآن يمكن تبادل الأفكار بكبسة زر. يمكننا - بل علينا - أن نكون أسرع في رعاية هذه الأفكار لتمكين وجود حكومات شاملة وممثلة للجميع.

لكن فيما يتعلق بهذه النقطة، علينا أن نكون مدركين لكيفية أن التقنية الحديثة، الإنترنت، تستغل للترويج للتطرف والتحريض على العنف.

وعلينا جميعا أن نؤدي أدوارنا لمعالجة التطرف. وإنني أشيد، على سبيل المثال، بالجهود الاستثنائية التي يبذلها مفتي لبنان دريان - الذي اجتمعت به مؤخرا - لبناء الجسور بين أتباع مختلف الأديان بهدف وضع نهاية للتطرف والإرهاب. وعلينا تقديم دعمنا الكامل لعملية السلام في الشرق الأوسط، ولحل الدولتين - لمنع مزيد من المعاناة وأن يكون المستقبل خطيرا وبلا يقين بالنسبة لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء.

كما علينا مواصلة السعي للسلام في سورية. يجب ألا يخدعنا قول النظام بأن باستطاعته حماية الأقليات. حيث أن أفعال الأسد أشعلت العنف الطائفي، ونظامه هو المسؤول عن مقتل مئات آلاف المدنيين. والشعب السوري يستحق حكومة شاملة وممثلة للجميع وتخضع للمساءلة أكثر مما يمكن للأسد توفيره.

وعلينا نحن، في المجتمع الدولي، الانتباه للتحذيرات المبكرة والسعي لمنع وقوع الأعمال الوحشية قبل أن تبدأ - مثلما فعلنا العام الماضي في جمهورية أفريقيا الوسطى. لكن في حال فشل الإجراء الوقائي أو كونه أتى متأخرا، يجب ألا يفلت مرتكبو الانتهاكات من العقاب.

والعدالة ليست سهلة ولا هي سريعة. لكنها ضرورية. فقد بين لنا التاريخ، من رواندا إلى يوغسلافيا وجنوب أفريقيا وأيرلندا الشمالية، بأن السلام يقوم فقط على المساءلة والعدالة.

وأخيرا، علينا مواجهة ادعاءات داعش الملتوية المحرفة من خلال التعليم والحوكمة الرشيدة.

علينا تأكيد مسؤولية السلطات والمجتمع المدني على حد سواء في دعم الجدلية المقابلة ومواجهة ما وصفه المفوض السامي بأنه “سموم التطرف”.

وعلينا أيضا إشراك وتمكين النساء للمساعدة في بناء منطقة شرق أوسط آمنة ومستقرة ومزدهرة وفق ما نريد جميعنا أن تكون.

وندعو حكومات المنطقة لأن تكفل حرية الدين - وفق ما تنص عليه المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان - لكافة مواطنيها. حيث عندما ينشأ الأطفال على احترام أتباع كافة الأديان والديانات، سينتج عن ذلك القضاء على الفكر المتطرف.

تاريخ النشر 27 March 2015