خطاب

مداخلة وزير الخارجية في مجلس الأمن حول تبني خارطة طريق بشأن سورية

فيليب هاموند: مضت نحو 5 سنوات منذ اندلاع الصراع في سورية. وبلغ عدد القتلى 250,000 قتيل. ويقع على عاتقنا جميعا واجب منع إزهاق مزيد من الأرواح.

"The conflict in Syria is almost 5 years old. In that time 250,000 Syrians have been killed. We all have a duty to prevent further slaughter."

اسمحوا لي أن أتوجه بالشكر لوزير الخارجية كيري لجهوده المميزة التي أوصلتنا في الشهور الأخيرة إلى هذه العملية بتشكيل مجموعة الدعم الدولية لسورية. فذلك أتاح زخما دوليا جديدا تجاه استئناف المحادثات بقيادة السوريين، وأوصلنا إلى هذه المناسبة الهامة اليوم.

إن القرار الذي تبنيناه اليوم خطوة أخرى في هذه الجهود. للأسف، من المبكر جدا أن يتنبأ أي أحد منا نهاية للصراع السوري، لكني آمل أن ننظر مستقبلا إلى اليوم على أنه خطوة كبيرة في ذلك الاتجاه. بصراحة، من النادر أن اتحد مجلس الأمن بشأن سورية، وكان عليه أن يتحمل مسؤوليته لأجل إحلال السلام والأمن، رغم صدور بعض القرارات المفيدة لكن المطبقة جزئيا فقط. وكان لا بد لذلك أن يتغير.

لا يمكن لأي بلد أو أي شخص ساهم في دمار سورية في السنوات الأربع الماضية أن يكون راضيا عما حدث. وفيما يتعلق بالملف السوري، علينا جميعا إقرار أننا فشلنا جميعا؛ جميعنا خاسرون؛ لكن أكبر الخاسرين هم الشعب السوري نفسه. علينا بذل جهود أفضل، وأن نبذلها سريعا لتجنب مزيد من المعاناة.

لقد اتحد المشاركون في مجموعة الدعم الدولية لسورية وراء هدف واحد: مساندة الأطراف السورية للتوصل لنهاية للصراع ومواجهة الإرهابيين الذين ينشطون في بلدهم. ونشترك جميعنا بإحساسنا بالحاجة الملحة نتيجة مشاهدتنا لاستمرار تدهور الوضع الإنساني والأمني في سورية. وقد تحمل الشعب السوري، الذي فقد ما يفوق 250,000 من الأرواح بينما شُرّد ملايين آخرين عن بيوتهم، شدة وقع هذا الصراع. إنها ليست مصيبة إنسانية، بل هي كارثة إنسانية.

إن استمرار استخدام الأسلحة عشوائيا ضد المدنيين، وخصوصا المدفعية والقصف الجوي، بما في ذلك البراميل المتفجرة، يواصل التسبب بالرعب والدمار وقتل المدنيين. وبينما أن داعش يشكل تهديدا حقيقيا للسوريين وللمنطقة ككل، فإن الأسد هو من يتحمل مسؤولية الجزء الأكبر من سقوط القتلى في سورية.

أشيد بدعوة المملكة العربية السعودية لممثلين عن شريحة واسعة من المعارضة السورية لحضور مؤتمر الرياض في وقت سابق من الشهر الجاري. إن الاتفاق الذي تم التوصل إليه في ذلك المؤتمر وتشكيل لجنة عليا للمفاوضات يعكس عزم جماعات المعارضة السورية على التكاتف، مهما كانت الاختلافات بينها، لكي تلعب دورا حيويا وبنّاء في المحادثات. لقد عاودوا تأكيد التزامهم بتطبيق إعلان جنيف، والعمل تجاه التوصل لعملية انتقال منظمة بعيدا عن الأسد وتحقيق مستقبل تعددي لسورية.

كما أرحب بجهود الأردن الرامية لحشد الإجماع حول تحديد الجماعات الإرهابية الناشطة في سورية. فبينما أن مجلس الأمن هو من يقرر بالنهاية تحديد وحظر هذه الجماعات، فإن مجموعة الدعم الدولية لسورية بمكانة تتيح لها توفير المعلومات والتحليل والمشورة للمجلس لمساعدته في ذلك. نعتقد أن تكوين تلك النظرة الواضحة سوف يستغرق وقتا طويلا، ونحن قادرون على اختبار أي من الجماعات لديها الرغبة بالالتزام بعملية سياسية ووقف إطلاق النار.

أود العودة إلى محتوى قرار مجلس الأمن، وأسلط الضوء على النقاط التي ستكون مهمة لأجل إحراز تقدم بالمحادثات.

أولا، نريد جميعنا – في هذا المجلس وفي المجتمع الدولي ككل – أن نرى وقف إطلاق النار في كافة أنحاء البلاد. وكي يكون لوقف إطلاق النار فرص واقعية بالنجاح، لا بل وأن يكون بموازاة عملية بشأن انتقال سياسي ومحادثات بين الأطراف السورية وتحت رعاية الأمم المتحدة. فقد رأينا كيف أن عدم عزم الأطراف سابقا على المساهمة إيجابيا في المحادثات قد أدى لتقويض محاولات لإنهاء الصراع.

من الضروري أن تكون كافة أصوات السوريين مسموعة في هذه العملية، بمن فيهم النساء والأقليات في سورية.

ثانيا، هنالك حاجة لأن يثق الأطراف بأن العملية السياسية ستفضي إلى نتائج حقيقية، وبدونها لن يتحقق النجاح في المحادثات ولا في وقف إطلاق النار. ذلك لن يكون يسيرا: حيث أن 5 سنوات من الصراع أدت إلى إضعاف الثقة.

وبالتالي على جميع الأطراف اتخاذ تدابير لبناء الثقة، وبعضها مشار إليه في القرار الذي تبنيناه اليوم. إننا نرحب بالجهود التي تبذلها الأمم المتحدة بهذا الصدد، وتجاه سبل وقف إطلاق النار وفق ما ينص عليه هذا القرار.

إن من واجب كافة الأطراف اتخاذ الحيطة في عملياتهم العسكرية لتجنب إيقاع ضحايا بين المدنيين، سواء عن عمد أو بسبب الرعونة بتوجيه الضربات. ولا بد من وقف الاستخدام العشوائي للأسلحة، وخصوصا المدفعية والقصف الجوي، بما في ذلك استخدام البراميل المتفجرة. وقد أصبحت المرافق الطبية والمدارس بشكل متزايد هدفا للقصف الجوي، وهو ما نراه جميعنا أمرا بغيضا ويجب أن يتوقف.

وعلى جميع الأطراف الالتزام بواجباتهم بموجب حقوق الإنسان الدولية والقانون الإنساني الدولي. يجب عليهم السماح بممرات سريعة وآمنة ودون عراقيل لمرور وكالات الإغاثة عبر طرق مباشرة في كافة أنحاء سورية. فهناك 13.5 مليون سوري بحاجة لمساعدات إنسانية؛ وهم بحاجة للتغيير في حياتهم لكي تتولد لديهم الثقة بهذه العملية السياسية ويلمسوا فوائدها. إن المملكة المتحدة ثاني أكبر دولة مانحة بشكل ثنائي، بعد الولايات المتحدة، تساهم في الجهود الإنسانية استجابة للصراع السوري. لكن علينا جميعا بذل مزيد من الجهود بهذا المجال.

كما يكرر هذا القرار الالتزام بعملية انتقال سياسي في سورية، بناء على مبادئ إعلان جنيف بكاملها، تفضي إلى إجراء انتخابات حرة ونزيهة بموجب دستور سوري جديد في غضون 18 شهرا. يشمل ذلك تشكيل هيئة حكم انتقالي تتمتع بجميع الصلاحيات التنفيذية وتكون ممثلة لكافة السوريين، وذلك يشكل إطارا تستند إليها المحادثات الرامية لإنهاء الصراع.

من الضروري أن تنطوي هذه العملية على مغادرة بشار الأسد. ليس فقط لأسباب أخلاقية، بسبب ما عاث في شعبه من دمار، بل كذلك لأسباب عملية لأن ليس بالإمكان أبدا إحلال السلام وتحقيق الوحدة في سورية طالما ظل بمنصبه. لكن علينا، بل وسوف نحرص على، حماية المؤسسات الضرورية للحكم مستقبلا، وذلك ممكن بوجود هيئة حكم انتقالي ممثلة للجميع وتحظى بدعم مجموعة الدعم الدولية لسورية.

وبينما أن علينا السعي لإنهاء الصراع في سورية، خصوصا العنف الموجه ضد المدنيين، علينا كذلك المشاركة في مواجهة الخطر الذي يشكله داعش وجماعات متطرفة أخرى في البلاد. وإنهاء الحرب الأهلية في سورية عامل حيوي لأجل التصدي لداعش على الأجل الطويل. ونحن جميعنا واضحون في حرصنا على ألا تستفيد الجماعات الإرهابية، وألا تستفيد فعلا، من وقف إطلاق النار الذي ندعو له.

والمسألة الأساسية التي على السوريين أخذها بعين الاعتبار لدى تشكيل هيئة الحكم الانتقالي هي مكافحة الإرهاب. وسوف تحظى في كفاحها هذا بدعم تام من مجموعة الدعم الدولية لسورية والتحالف العالمي. فبعد الاعتداءات المروعة التي وقعت في سيناء وبيروت وأنقرة وباريس، تبنى مجلس الأمن قراره رقم 2249 الذي يدعو كافة الدول لاستخدام كافة التدابير اللازمة لمكافحة داعش. وكان رد الحكومة البريطانية على هذا القرار هو توسيع الضربات الجوية التي كانت تنفذها ضد داعش في العراق لتشمل سورية.

وبهذا الصدد، من الضروري للدول التي تزعم أنها تقاتل داعش أن تفعل ما تقول، بدل توجيه جل ضرباتها ضد جماعات غير متطرفة. وهناك دليل واضح على مدى الأسابيع الماضية بأن إضعاف هذه الجماعات أتاح فرصا لتوسع داعش في بعض المناطق، وذلك عكس الهدف المعلن.

وإلى جانب التركيز على التهديدات الآنية، علينا أيضا الإعداد لأجل مستقبل سورية. فلا بد لنا من تأكيد التزامنا بالمساعدة في إعادة إعمار البلاد بعد الصراع. وسوف تستضيف المملكة المتحدة في شهر فبراير (شباط) القادم، بالشراكة الوثيقة مع ألمانيا والنرويج والكويت والأمم المتحدة، مؤتمرا في لندن بشأن تقديم الدعم الإنساني لسورية، بما في ذلك التركيز على حماية المدنيين والتخطيط للاستقرار. سوف يسعى ذلك المؤتمر بالطبع إلى جمع الأموال اللازمة استجابة لنداء الإغاثة من الأمم المتحدة لمساعدة من شُردوا بسبب الأزمة الإنسانية. كما سوف تلتزم المملكة المتحدة كذلك بالمساعدة في جهود إعادة الإعمار بعد الصراع في سورية، وقد التزمت بالفعل بتقديم 1.5 مليار دولار على الأقل دعما لهذه الجهود على الأجل الطويل، إلى جانب ما يفوق 1.64 مليار دولار قدمناه حتى الآن كمساعدات إنسانية، وآمل أن نرى في شهر فبراير التزام آخرين بالمساهمة في الاستجابة للتحديات الآنية وتحديات إعادة الإعمار على الأجل الطويل.

لقد مضت نحو 5 سنوات منذ اندلاع الصراع في سورية. وبلغ عدد القتلى 250,000 قتيل. ويقع على عاتقنا جميعا واجب منع إزهاق مزيد من الأرواح.

ورغم الخطوة الهامة التي اتخذناها اليوم من خلال قرار مجلس الأمن، ورغم ما حققناه من تقدم في فيينا، ورغم الخطوات الهامة التي اتخذت في مؤتمر الرياض الأسبوع قبل الماضي، مازال الطريق أمامنا طويلا.

ولكي تتاح لنا فرصة النجاح، الأمم المتحدة بحاجة لمساندة واضحة ومستمرة من مجموعة الدعم الدولية لسورية، وأعلم أن باستطاعتي تأكيد حصولها على تلك المساندة من هذه المجموعة.

لكن الأهم من كل ذلك، نريد أن تتولى قيادات سورية من كافة الأطياف مسؤولية مستقبل بلدها، وأن تتخذ القرارات الصعبة اللازمة لتحقيق تسوية سياسية دائمة وإنهاء الصراع.

ذلك لأن باستطاعتنا نحن المساعدة، لكن السوريين أنفسهم فقط من يمكنهم إنهاء معاناة السوريين.

تاريخ النشر 19 December 2015