خطاب

ضمان وصول المساعدات الإنسانية وإيجاد حل سياسي لإنهاء الأزمات في سورية

مداخلة السفير جوناثان آلن في جلسة إحاطة بمجلس الأمن بشأن سورية، تناول فيها ضرورة فتح المعابر أمام المساعدات الإنسانية، والعقوبات على المتورطين بالانتهاكات، وضرورة إجراء انتخابات حرة ونزيهة بموجب دستور جديد.

Ambassador Jonathan Allen at UNSC briefing on Syria

اسمحوا لي أن أبدأ بالإشارة إلى الاجتماع الأخير للسفيرة كرافت وأن أٌقول ببساطة كم أُعجبت بصدقها ونزاهتها وشغفها، وأعتز بصداقتها طوال الفترة التي أمضتها في المجلس. ولا أشك بأنها فخورة بذلك أيضا.

وأود أن أشكر المبعوث الخاص بيدرسون، كما أشكر نائب الأمين العام السيد مارك لوكوك على إحاطتيهما.

استمعت الآن بدقة لمداخلة السفير الروسي، كما أفعل دائما، وأظنه سيكون أول من يُقر أنها كانت مداخلة مطوّلة، حيث تجاوزت الخمس دقائق التي نوصي بها لبعضنا البعض كأعضاء في مجلس الأمن بناء على المذكرة رقم 507. وليس قصدي أبدا أن أسيئ التهذيب بشأن ذلك، فأظن أن لدينا جميعا نفس المشكلة ولا يقتصر الأمر عليه فقط. ولعل ذلك ما يدفعني للقول إنه، مع اشتداد برودة الشتاء في سورية، ومع سعي غيير بيدرسون بإحراز تقدم في موضوع اللجنة الدستورية، يتوجب علينا أن نخصص الوقت الكافي كمجلس لمناقشة هاتين المسألتين، وأن نعود للاجتماعات المنفصلة كما درجنا عليه لسنوات عديدة.

مع اقتراب الصراع في سورية من عامه الحادي عشر، تستمر الأوضاع في التدهور. فقد قتل ما يزيد عن 500,000 شخص في ذلك الصراع، وغالبيتهم العظمى من المدنيين.

يعاني الملايين من المدنيين الذين شردهم الصراع ظروفا معيشية قاسية. ومنذ بدء الأزمة إلى الآن، قدمت المملكة المتحدة ما يفوق 4 مليارات جنيه إسترليني كمساعدات إنسانية لسورية وللدول المجاورة. وأنا أحث الآخرين - خاصة أولئك الذين يدعمون النظام السوري والذين يقولون إنهم قلقون بشأن تأثير العقوبات الاقتصادية - على فعل المزيد هم أنفسهم لمساعدة الشعب السوري.

كما إن جائحة كوفيد-19 تفاقم من صعوبة الأوضاع الإنسانية، حيث تجاوزت الإصابات المؤكدة 42,000 حالة. ولا شك أن الأرقام الحقيقية أعلى من ذلك بكثير. يتعين على كافة الدول المانحة أن تعمل سويا لضمان توزيع عادل للقاحات كوفيد-19 في كافة أرجاء سورية، مع الحرص على إعطاء الأولوية للذين هم في أشد الحاجة للقاح. والمملكة المتحدة ملتزمة بالعمل مع الأمم المتحدة لإرساء الأسس من أجل تأمين اللقاحات لسورية وتعزيز الجهوزية للتعامل مع الجائحة على المدى الأطول. هناك تحديات معقدة يلزم التغلب عليها، لكن المملكة المتحدة تدعم بشكل كامل منظمة الصحة العالمية والوكالات الأخرى التابعة للأمم المتحدة المقدمة للمساعدات.

وحسبما سمعنا من الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، فإن وصول المساعدات بشكل جيد وفعال إلى مختلف المناطق في الداخل السوري عبر الحدود وعبر خطوط التماس لا يزال أمرا في غاية الأهمية لتلبية احتياجات الشعب السوري. فعلى مدى عام 2020 شهدنا إغلاق ثلاثة معابر، بينما ارتفعت الاحتياجات الإنسانية بزيادة تفوق مليوني شخص. ومع الأسف، فإن عبور خطوط التماس وحده لا يكفي لتوفير الاحتياجات الإنسانية بشكل متواصل لنحو 13 مليون شخص، أي حوالي ثلاثة أرباع السكان.

المساعدات التي تدخل عن طريق باب الهوى لم تكن يوما أكثر أهمية مما هي الآن، والحاجة لتجديد التفويض بعبور الحدود في الصيف ما زالت قوية. وفي الواقع، الحاجة إلى هذا المعبر سوف تزداد قوة مع إمكانية توفير اللقاح، الذي يتطلب إيصاله إلى سورية سلسلة تخزين وتوريد معقدة.

ولكي تلبي المساعدات الإنسانية الاحتياجات المتزايدة، لا بد من زيادة كمية ووتيرة المساعدات التي يتم تسليمها عن طريق دمشق إلى مناطق شمال شرق سورية، بما فيها المناطق الخارجة عن سيطرة النظام. وذلك يتطلب تخفيف العقبات البيروقراطية وإنهاء المنع التعسفي لدخول موظفي الإغاثة. ومن الأمثلة المقيتة التي أشار إليها نائب الأمين العام مارك لوكوك في الشهر الماضي كان منع دخول المساعدات الغذائية لحوالي 220,000 شخص في الرقة، وهذا ببساطة غير مقبول.

تقلقنا أيضا أزمة المياه الأخيرة في المناطق التي يسيطر عليها النظام في سورية. وكما هي الحال في العديد من المشاكل الخطيرة، فقد لعب الفساد المستشري دوره في ذلك، حيث إن كميات الديزل التي خصصها النظام لتشغيل مضخات المياه في المدن تُباع بصورة غير مشروعة. ومع الأسف، تستمر أزمات الغذاء والوقود والمشاكل الاقتصادية – وجميعها من صنع النظام.

لا يُمكن أن يطرأ تحسن على الوضع الإنساني إلا بانخفاض العنف. وما زالت يقلقنا بشدة الانتهاكات لاتفاقات وقف إطلاق النار، حيث تتكرر أعمال العنف في الشمال الغربي، بما في ذلك القصف والغارات الجوية المتفرقة؛ وتصاعد التوتر في الشمال الشرقي من البلاد؛ وازدياد ملحوظ في الهجمات التي يتبناها داعش.

واليوم، لا تزال التسوية السياسية بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2254، الذي تبناه هذا المجلس بالإجماع قبل أكثر من خمس سنوات، هي أفضل وسيلة لحل الأزمات المتعددة في سورية. ومن الضروري أن تنخرط الأطراف في نقاش بنّاء بشأن المسائل الجوهرية المتعلقة بالدستور خلال الاجتماع الخامس للجنة الدستورية هذا الشهر.

إن التقدم الذي تم إحرازه حتى اليوم بطيء، لكن لدينا الإحساس بأننا نقترب من نقطة تحول هامة. ونأمل أن يأتي وفد النظام إلى جنيف وهو مستعد للمشاركة في المباحثات بنية طيبة.

وبدون دستور جديد، لن يكون بالإمكان إجراء انتخابات حرة ونزيهة تشمل كافة السوريين، بمن فيهم الشتات، بموجب قرار مجلس الأمن 2254. إن خطط إجراء انتخابات وفقا للدستور القديم سوف تتعارض مع العملية السياسية لهذا المجلس. والمملكة المتحدة لن تعترف بأية انتخابات لا تكون حرة ونزيهة.

الانتخابات الحرة والنزيهة يجب أن كافة السوريين، بمن فيهم الشتات. وإذا أراد النظام السوري أن يعود اللاجئون، فعليه أن يضمن توفير الظروف المنصوص عليها في الفقرة 14 من القرار رقم 2254، وألا يعود المواطنون السوريون ليجدوا نفس الحال التي أدت إلى اندلاع هذا الصراع واستمراره.

اسمحوا لي أن أنتقل إلى موضوع العقوبات الاقتصادية. يلوم النظام السوري وداعموه الروس العقوبات “الغربية” بأنها السبب في انهيار الاقتصاد في سورية. لكن في واقع الحال، فإن النظام قد دمّر اقتصاده بنفسه من خلال المحسوبية والفساد وتمويل العنف الوحشي ضد شعبه. وعليه أن يتحمل المسؤولية عن ذلك. وفي الأول من يناير أعلنت المملكة المتحدة من خلال نظامها المستقل للعقوبات على سورية فرض عقوبات على 353 فردا وكيانا بصفتهم مسؤولين عن قمع المدنيين في سورية. هذا هو نظام العقوبات الأوسع نطاقا الذي تتبناه المملكة المتحدة. أود أن أوضح بأن العقوبات البريطانية تستهدف الأفراد من النظام السوري المسؤولين عن معاناة المدنيين، كما تمنع الذين يدعمون النظام ويستفيدون منه من دخول المملكة المتحدة، ومن تحويل الأموال من خلال بنوكها والاستفادة من اقتصادها. أما الأغذية والأدوية فهي لا تخضع للعقوبات، كما توجد إعفاءات للمساعدات الإنسانية وللمواد المتعلقة بالاستجابة لجائحة كوفيد-19.

وكما أكدنا مرارا، فإن السبيل إلى رفع العقوبات واضح وصريح. فبدلا من اعتراض مواد الإغاثة الإنسانية، وقصف المدارس والمستشفيات، واعتقال أفراد الشعب وتعذيبهم، على النظام السوري الاستجابة لنداءات شعبه، والتواصل بشكل جدي مع المبعوث الخاص بيدرسون ومع العملية السلمية التي تقودها الأمم المتحدة، وتحقيق تسوية سلمية للنزاع.

تاريخ النشر 20 January 2021