خطاب

مطالبة بالمحاسبة على استخدام الأسلحة الكيميائية في سورية

مداخلة السفير جوناثان آلن، نائب المندوب البريطاني الدائم لدى الأمم المتحدة، خلال جلسة مجلس الأمن بشأن الأسلحة الكيميائية في سورية.

Call for Accountability for Chemical Weapons Use in Syria

إننا نعقد هذه الجلسة المفتوحة بعد سلسلة من الأنباء حول وقوع اعتداءات بالأسلحة الكيميائية في الغوطة الشرقية في الشهر الماضي، حيث يواصل نظام الأسد قصفه الوحشي وقتله للمدنيين. وخلال عطلة نهاية الأسبوع كانت هناك مزاعم جديدة باستخدام أسلحة كيميائية في إدلب، إلى جانب قصف جوي من قبل قوات النظام التي يقال بأنها قصفت ثلاث مستشفيات، الأمر الذي حمل الأطباء على العمل سريعا لإخراج الأطفال الخدّج من الحاضنات ونقلهم. لا يمكنني أن أقول بأنهم نُقلوا إلى الأمان، لأن الواقع هو أن بالنسبة لأهالي إدلب والغوطة الشرقية لا يوجد مكان آمن. لقد هالنا هذا العنف، وأنباء الاستهداف المتعمد للمدنيين والبنية التحتية المدنية، ونطالب كافة أطراف الصراع باحترام القانون الإنساني الدولي وحماية المدنيين.

إن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية تحقق بالفعل في تقارير بشأن استخدام أسلحة كيميائية في الأسابيع الأخيرة، لكن تحديد المسؤول عن استخدامها سيكون أكثر صعوبة، وذلك بسبب استخدام روسيا للفيتو ثلاث مرات ضد استمرار عمل آلية التحقيق المشتركة المستقلة الخبيرة، وذلك لأجل حماية نظام الأسد.

إننا نرحب بأية محاولة جادة لإعادة تأسيس آلية مستقلة للتحقيق وتحديد المسؤولية لتواصل الجهود الدقيقة للجنة التحقيق المشتركة. لكننا للأسف لا نرى ذلك في الاقتراح الروسي.

لا بد من تمكين أي هيئة تحقيق تالية من التحقيق في كافة حالات استخدام الأسلحة الكيميائية، أيا كان المسؤول عنها. إلا أن المقترح الروسي يركز فقط على الفاعلين غير التابعين للدولة. لقد أعربنا مرارا وتكرارا عن إدانتنا لاستخدام داعش للأسلحة الكيميائية، وهو ما أشارت إليه لجنة التحقيق المشتركة بوضوح في تقريرها. لكن نظرا لسجل الأسد باستخدام الأسلحة الكيميائية، وعدم امتثاله لمعاهدة اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، من الضروري أن تحقق أية آلية جديدة باستخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية.

والاعتراض الثاني هو اقتراح أن يكتفي الخبراء بجمع الأدلة فقط، وترك الأمر لمجلس الأمن لتقرير ما تعنيه هذه الأدلة. ليست هناك أي لجنة خبراء أخرى على حد علمي تُمنع من التوصل لاستنتاجات وتقديم تقرير بما تخلص إليه بشأن ما حدث إلى مجلس الأمن. نحن حول هذه الطاولة لسنا مختصين بالأسلحة الكيميائية؛ بل إننا نعتمد على لجان من الخبراء المستقلين الذين تختارهم الأمم المتحدة. والغرض من لجنة التحقيق المستقلة كان أن تتوصل لجنة مستقلة لاستنتاجات تستند إلى الأدلة، لتتولى هذه المهمة نيابة عنا نحن - الدول الأعضاء في مجلس الأمن - لأننا لم نتمكن من الاتفاق. لكن يبدو وأن ما اقترحته روسيا الهدف منه تجنب الإحراج السياسي لاستخدامها للفيتو للدفاع عما لا يمكن المدافعة عنه، حين تقدم آليات مستقلة تقريرا بشأن ما حدث فعلا. ويبدو وأن النية من وراء ذلك هي ضمان عدم التوصل لاستنتاجات واضحة في أية تقارير مستقبلا.

وثالثا، نعترض على المطالبة في هذا الاقتراح بأن تكون معايير الدليل “بلا أدنى شك معقول”. فهذا المعيار لم يُستخدم في أي تحقيقات مقارنة سابقة أو حالية أجرتها الأمم المتحدة. بل إنه مستخدم بالملاحقات الجنائية في المحاكم، والتي تتمتع بصلاحيات تحقيق واستقلالية أكبر كثيرا مما يقترحه النص الروسي.

وأخيرا، يصر هذا الاقتراح على الزيارات الميدانية. هذا على الرغم من الفقرة الواضحة في اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية بشأن وجود سبل أخرى لجمع الأدلة ذات الصلة، مع إدراك صعوبة الذهاب بزيارات ميدانية في الوقت المناسب وبشكل آمن. ليس لهذا الاقتراح أي أساس قانوني. بل إنه مجرد محاولة لعرقلة التحقيقات مستقبلا ولتقويض مصداقية لجنة التحقيق المستقلة. لقد استفادت روسيا كثيرا بالطبع من عدم القيام بزيارة ميدانية إلى خان شيخون، رغم حقيقة أن نظام الأسد قد سلّم للأمم المتحدة عينات من الموقع احتوت على مواد كيميائية مميزة تشير تحديدا إلى السارين لدى النظام، وبالتالي انتفت الحاجة للقيام بزيارة ميدانية.

لهذه الأسباب يعتبر هذا النص غير مقبول. لقد وضعت لجنة التحقيق المشتركة معايير عالية للحيادية والخبرة، ونحن نتوقع أن تتوفر هذه المعايير في أية آلية تحقيق مستقبلا.

إن النظام السوري يزعم بالطبع بأنه لم يستخدم أسلحة كيميائية. لكن توصلت لجنة التحقيق المشتركة على مر السنين في تقريرين منفصلين - وتحت قيادات مستقلة، واستنادا مجموعة واسعة من الخبراء الدوليين المستقلين والمرموقين - إلى أن النظام قد استخدم الكلورين ثلاث مرات على الأقل: في تلمنس في إبريل 2014، وفي سرمين وقميناس في مارس 2015، واستخدمت السارين في الاعتداء على خان شيخون في إبريل 2017.

وعلينا أن نتذكر أيضا ذلك الاعتداء المروع في الغوطة الشرقية في أغسطس 2013، حين توصل تحقيق دولي آخر إلى استخدام السارين لقتل المئات وإصابة الآلاف. ذلك الاعتداء حظي بإدانة شبه دولية. وبعد ضغوطنا الدولية المشتركة، انضمت سورية إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية.

وقد وعدت سورية - وفق ما هي ملزمة به قانونيا - بإتلاف والتخلي عن برنامج الأسلحة الكيميائية لديها. لكنها فشلت في إقناع المفتشين بأنها فعلت ذلك. وعلينا أن نسأل أنفسنا: لم لا؟

في 2013، وعدت روسيا بأن تكون ضامنة لالتزام نظام الأسد باتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية. لكننا نجلس جميعا هنا شهرا تلو الآخر ونسمع بأن الأسد لم يلتزم بالاتفاقية. إذا لم لا تُلزم روسيا النظام السوري بالامتثال لالتزاماته وجعل من المستحيل له أن يستخدم الأسلحة الكيميائية؟

من المؤسف، بالنسبة للشعب السوري، أن النظام يواصل استخدام الأسلحة الكيميائية ويُفلت من العقاب. وإن تأكد بأن الأسد قد استخدم الأسلحة الكيميائية مجددا ضد شعبه، فإن ذلك لن يكون مجرد بند آخر في سجل جرائم الحرب التي يرتكبها. بل سيكون أيضا اعتداء آخر علينا جميعا: أعضاء الأمم المتحدة الذين عملنا طوال عقود “لأجل الإنسانية جمعاء، لمنع إمكانية استخدام الأسلحة الكيميائية نهائيا” - حسب ما ورد في اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية.

لقد قالت شعوبنا، على مر التاريخ، “أبدا بعد الآن”: على سبيل المثال لا الحصر، من ميادين معارك الحرب العالمية الأولى، وفي إثيوبيا، وفي منشوريا، وفي اعتداءات صدام حسين على إيران وعلى الأكراد العراقيين.

لذا دعونا في هذا المجلس نساند شعوب الأمم المتحدة، عازمين على منع استخدام هذه الأسلحة الكيميائية الفظيعة نهائيا بعد الآن.

دعونا نساند الشعب السوري ونمنحه تحقيقا حقيقيا بشأن المسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيميائية، تحقيقا يسعى إلى تحقيق العدالة عن الجرائم المروعة التي ارتكبت ضده.

دعونا نبين عزمنا على السعي للمساءلة من خلال كافة السبل المتوفرة، حتى وإن كان أحد أعضاء مجلس الأمن حاليا يمنعنا من اتخاذ إجراء بهذا الصدد.

تاريخ النشر 5 February 2018