خطاب

إطلاق اللجنة الدستورية السورية وعملها لا بدّ أن يكون مصحوباً بإجراءات ملموسة

"هذه ليست سوى الخطوة الأولى نحو التسوية السياسية الشاملة التي تحتاجها سورية بشدة والتي يجب أن تشمل في النهاية ترتيبات انتقالية وانتخابات حرة ونزيهة."

Ambassador James Roscoe

تضم المملكة المتحدة صمتها للآخرين في الترحيب بإعلان الأمين العام في الأسبوع الماضي بأنه قد تم التوصل أخيرا إلى اتفاق بشأن اللجنة الدستورية التي ستجتمع، كما قال السيد بِدرسون، في 30 أكتوبر/تشرين الأول بمدينة جنيف. وإننا نعرب عن امتناننا لتحديد طرق عمل اللجنة الدستورية وتركيبتها، وهو ما نرحب به أيضا. ويعتبر ما أحرزته، سيد بدرسون، شهادة صادقة على عملك الجاد على مدى الشهور التسعة الماضية، إلى جانب ما حققه طبعا سلفك ستيفان دي ميستورا.

في الأسبوع الماضي، استضافت المملكة المتحدة اجتماعاً وزارياً لمجموعة سورية المصغّرة حيث رحب جميع الأعضاء بالاتفاق. لكننا أدركنا أيضاً أن هذه ليست سوى الخطوة الأولى نحو التسوية السياسية الشاملة التي تحتاجها سورية بشدة والتي يجب أن تشمل في النهاية ترتيبات انتقالية وانتخابات حرة ونزيهة. وكما جاء على لسان الأمين العام نفسه فإن الاتفاق “يمكن بل يجب أن يكون بداية للمسار السياسي للخروج من المأساة والوصول إلى حلّ وفقاً للقرار 2254 والذي يلبي التطلعات المشروعة لجميع السوريين”. ويتطلب نجاح الاتفاق على تشكيل اللجنة مشاركةً جادةً والتزاماً من جميع الأطراف، وندعو نظام الحكم بشكل خاص إلى إظهار التزام حقيقي في الاجتماع الأول وما يليه من اجتماعات. بيْد أن مشاكل سورية لم تنجم في الأصل عن عيوب في الدستور الحالي، بل عن أسلوب تطبيق ذلك الدستور وعن السياسات القمعية للنظام. لا شك أن هذه خطوة أولى حاسمة، وعليه يجب أيضاً معالجة الجذور الأعمق لهذا الصراع. ومع أخذ هذه النقطة في الاعتبار، لا يمكن إحراز تقدم في العملية السياسية بمعزل عن الأمور الأخرى. وما من أحد هنا بغافل عن هذا الأمر. وإننا نتفق تماما مع الأمين العام على أن إطلاق اللجنة الدستورية وعملها يجب أن يكون مصحوبا بإجراءات ملموسة لبناء الثقة بالنفس وبين الأطراف.

لذلك، من الضروري المضي قدُماً في تطبيق جميع عناصر القرار 2254 بموازاة بعضها. ولسوف تلقى منا، سيد بدرسون، كل الدعم اللازم للدفع قدما بهذه، ونطالب في الوقت ذاته جميع الأطراف، وخاصة النظام، الانخراط تماما في تدابير بناء الثقة، لا سيما فيما يتعلق بزيادة فرص وصول المساعدات الإنسانية، والإفراج عن المحتجزين، وتقديم معلومات تشتد الحاجة إليها بشأن المفقودين. ومن المهم أيضاً أن تمثل اللجنة الدستورية أصوات وآراء الشعب السوري المعبر عنها بحرية. لقد قام السيد بدرسون بعمل هائل لتأمين التوازن، ونحن نشيد بشكل خاص بالمشاركة القوية من جانب المجتمع المدني والنساء. ولكن من المهم أيضاً أن يُسمح لأعضاء اللجنة بأداء واجباتهم دون خوف أو ترهيب لهم شخصياً أو لأفراد أسرهم. فهذا ضروري إذا ما أريد لهذه العملية أن تكون حرة حقاً، وشرعية وذات مصداقية.

إن إحاطة اليوم تركز بكل حق على العملية السياسية. لكن سيكون من التقصير، كما قال السيد بدرسون وآخرون، عدم ذكر الوضع الأليم في إدلب، وهي المسألة التي طغت وبحق على عمل هذا المجلس خلال الأشهر القليلة الماضية. فقد قُتل أكثر من 1000 مدني، من بينهم 500 امرأة وطفل، وأُجبر أكثر من 676,000 شخص على النزوح عن منازلهم منذ بداية شهر مايو/أيار.

ويشكل الوضع في إدلب صورة مصغَّرة عن الصراع السوري. فقد استهدف النظام السوري المدنيين بالقصف الجوي العشوائي، والاحتجاز التعسفي وتعذيب المعارضين السياسيين، وتعمّد قصف المدنيين الذين يحتمون في المدارس والمستشفيات. ولا يمكننا السماح بالإفلات من العقاب على هذه الجرائم أو أي من الجرائم المرتكبة خلال سنوات الصراع في سورية. ومن هنا فإن من الأهمية بمكان أن يتمكن السكان في إدلب وفي جميع أنحاء سورية من العيش بمأمن من الخوف. وفي هذا الصدد، نرحب بأحدث وقف لإطلاق النار الصامد إلى حد كبير منذ 31 أغسطس. ومع ذلك، فإننا ننوه بهشاشته، خاصة في ضوء ما ورد في التقارير المتلاحقة عن عمليات القصف التي ينفذها النظام. كما أن ما يبعث على خيبة أملنا الكبيرة أن روسيا والصين استخدمتا حق النقض (الفيتو) ضد قرار مجلس الأمن الدولي في الجلسة الأخيرة التي ناقشت الوضع الإنساني. وبات الآن واجباً أخلاقياً عليهما وعلى دمشق ضمان استمرار وقف إطلاق النار في إدلب، واحترام القانون الإنساني الدولي احتراماً تاماً.

ولعلَّ ممثل سورية، حين يلقي كلمته بعد قليل، سيخبر الحضور في هذا المجلس بما يفعلونه لضمان استمرار وقف إطلاق النار وحماية المدنيين على الأرض. ونظراً لحضور زميلنا التركي هذا اليوم، تود المملكة المتحدة أن تعلن مرة أخرى أننا نرحب بجهود تركيا المستمرة لإنهاء العنف في إدلب، والعمل لأجل الحفاظ على وقف إطلاق النار.

لقد قدّمت المملكة المتحدة حتى الآن أكثر من 3 مليارات دولار استجابة للأزمة في سورية، ما يُعدّ أكبر استجابة على الإطلاق لأزمة إنسانية واحدة. ولسوف نستمر في عمل ما نستطيع لدعم المحتاجين. ونظراً لمقتل أكثر من 400,000 سوري، ووجود ما يقرب من 12 مليون شخص بحاجة ماسة إلى الدعم الإنساني، فإنه لا يمكن انتظار التسوية السياسية أكثر من ذلكً.

لذا، فإن المملكة المتحدة تضم صوتها إلى أصوات الآخرين في الترحيب بالإحاطة التي قدمها السيد بدرسون حول خطط وآفاق اللجنة الدستورية. وإننا ندعم جهودك ونتمنى لك كل النجاح في عملك المستمر. وندعو جميع أعضاء هذا المجلس المُجتمعين هنا، وجميع من هم داخل سورية وجميع الذين في أنحاء المنطقة، لدعم جهودك.

تاريخ النشر 30 September 2019