خطاب

"محنة النازحين في سورية وفي المنطقة هي أكبر أزمة إنسانية في عصرنا"

كلمة الممثل الدائم للمملكة المتحدة لدى الأمم المتحدة، السفير ليال غرانت، حول الوضع في سورية.

تم نشره بموجب 2010 to 2015 Conservative and Liberal Democrat coalition government
MLG

أرحب بالمداخلات القوية من نائبة الأمين العام فاليري آموس، والمفوض السامي لشؤون اللاجئين أنتونيو غوتيريس، والمبعوثة الخاصة أنجلينا جولي، والمدير التنفيذي إرثارين كَزن. ويسرني أننا نعقد هذه الجلسة مفتوحة لكي لنرسم صورة أشمل للكارثة التي يواجهها الشعب السوري والمنطقة.

إن محنة السوريين النازحين داخل سورية وفي المنطقة هي أكبر أزمة إنسانية في عصرنا. فقد أدت أربع سنوات من القتال إلى جعل السوريين من أكثر شعوب العالم فقرا وضعفا. وأساس معاناتهم هو وحشية الأسد، وزاد من تفاقمها بربرية داعش وجماعات إرهابية أخرى.

كما شهدنا في السنوات الأربع الماضية ما يدل على السخاء - وخصوصا من دول باتت ملاذا آمنا للاجئين: الأردن والعراق ومصر ولبنان وتركيا.

سوف أركز في كلمتي على ثلاث سبل يمكننا من خلالها مساعدة هذه الدول واللاجئين الذين وجدوا فيها ملاذا آمنا لهم.

أولا، علينا معالجة الاحتياجات المالية العاجلة لوكالات الإغاثة وحكومات المنطقة. فالتمويل المتوفر لا يواكب الاحتياجات.

هنالك نحو 4 ملايين لاجئ سوري في المنطقة. وجميعهم بحاجة للماء والغذاء واللوازم الصحية والمأوى لدى وصولهم، والكثير منهم بحاجة لمساعدة مستمرة. وأود هنا أن أشيد بجهود الحكومات المضيفة، والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين، واليونيسف، وبرنامج الأغذية العالمي وغيرهم من الوكالات التي توفر الاحتياجات الملحة للنازحين.

ومبلغ 3.6 مليار دولار الذي تم التعهد به في الكويت يمثل خط نجاة لمساندة هذه الجهود، ونحن نعرب عن امتناننا للقيادة التي تبديها الكويت. وتفتخر المملكة المتحدة بأنها ساهمت بمبلغ 1.2 مليار دولار في السنوات الأخيرة استجابة للأزمة الإنسانية. لكن مازال هناك حاجة للمزيد. وعلى المانحين تسديد ما تعهدوا به فورا لضمان وصول الأموال للوكالات التي تساعد من هم في أمسّ حاجة للمساعدة.

كما علينا إدراك العبء الكبير على الموارد في الدول التي تقبل اللاجئين. تساعد المملكة المتحدة في بناء إمكانات قطاع التعليم وتوفير الرعاية الصحية وخدمات البلدية في الأردن. ونحن ندعو كافة الدول الأعضاء لتوفير خبراتها لحكومات المنطقة.

ثانيا، علينا جميعا بذل كل ما بوسعنا لمساعدة من ظلوا داخل سورية، والعمل مع بعضنا لإحلال السلام في البلاد لكي يتمكن اللاجئون من العودة إلى بلدهم يوما ما.

لا أحد هنا يقلل من حجم ذلك التحدي. فوحشية الأسد لا حدود لها وليس هناك ما يشير إلى أي تراجع فيها. وبعد مرور مئة عام منذ استخدام الأسلحة الكيميائية لأول مرة، فإن الأسد هو وحده الذي يستمر باستخدام الكلورين كسلاح ضد المدنيين. ومازال القصف والبراميل المتفجرة سلاحه المختار، بينما مازال مئات آلاف السوريين تحت الحصار، محرومين من أبسط الخدمات والمواد الغذائية. ومخيم اليرموك، الذي مازال محاصرا من الأسد، ودير الزور باتا الآن معرضين لبربرية داعش.

لابد من محاسبة المسؤولين عن ذلك. ومن الضروري إحالة الوضع في سورية للمحكمة الجنائية الدولية.

علينا بذل كا ما باستطاعتنا لتخفيف معاناة من ظلوا داخل سورية. ونحن ندعو كافة أطراف الصراع لاحترام القانون الإنساني الدولي. فعليهم ضمان حرية دخول وكالات الإغاثة الإنسانية دون أي عراقيل لإخراج الجرحى وتوفير مساعدات حيوية لكل المحتاجين للمساعدة. ونحن نحث وكالات الأمم المتحدة الإنسانية وشركائها على زيادة إيصال المساعدات الإنسانية للمناطق المحاصرة، بما في ذلك عبر الحدود. وعلينا أن نتدارس بجدية الأفكار الأخرى التي طرحتها فاليري آموس اليوم.

إن الفرصة الوحيدة المستدامة لإنهاء الأزمة الإنسانية هي التفاوض على حل سياسي بالاتفاق المشترك بين الأطراف السوريين، وبدعم من المجتمع الدولي. ومازلنا نساند بقوة جهود الممثل الخاص للأمم المتحدة، ستافان دي ميستورا، ونتطلع للاستماع لتقريره.

لكن لا بد أن نكون واقعيين بشأن الوقت الذي سيستغرقه التغيير السياسي. وبالتالي علينا، ثالثا، أن ننظر في توفير دعم على الأجل الطويل للمنطقة. ومن الخطوات الهامة اللازمة تحقيق الاكتفاء الذاتي للاجئين، ومساندة تعليمهم، ورعاية التماسك الاجتماعي مع المجتمعات المضيفة. وكما قال أنتونيو غوتيريس، يجب النظر أيضا في وضع آليات تمويل جديدة لمساعدة الدول متوسطة الدخل المتضررة نتيجة الصراع.

وتعمل المملكة المتحدة مع شركائها لمساندة مشاريع أكثر فعالية ومجدية من الناحية المادية. ففي الأردن استثمرنا موارد في البنية التحتية لإمدادات الماء والصرف الصحي، مع إدراكنا بأن هذه البنية التحتية ليست فقط سبلا مجدية ماديا لمساعدة اللاجئين على الأجل المتوسط، بل إنها أيضا موارد دائمة يستفيد منها الأردن على الأجل الطويل.

وتساند المملكة المتحدة بقوة مبادرة “لا لضياع جيل” التي يمكن أن توفر تعليما وحماية للأطفال بشكل مستدام على الأجل الطويل. وقد ساهمنا بمبلغ 140 مليون دولار دعما لذلك حيث ندرك بأن مستقبل خمسة ملايين طفل سوري بات على المحك. ونحن ندعو كاف الأعضاء للعمل مع الدول المضيفة لمساندة توفير الخدمات للاجئين وضمان التوصل لحل مستدام.

اليوم هو آخر يوم لي كممثل دائم للمملكة المتحدة لدى الأمم المتحدة. وأود توجيه الشكر لكافة الأعضاء ماضيا وحاضرا على ما أبدوه من تعاون ونصح ودعم على مدى السنوات الخمس ونصف الماضية.

لكن من المؤسف أنآخر كلمة لي أمام هذا المجلس تتناول الوضع المأساوي في سورية. وأكثر ما يؤسفني خلال عملي في نيويورك هو أننا فشلنا بإنهاء القتال ووقف وقوع الكارثة الإنسانية في المنطقة.

فقد شهدت في السنوات الأربع الماضية أربع مرات حين أدى التصويت بالفيتو لمنع المجلس من اتخاذ إجراء جدي في سورية. لكنني أيضا شهدت ملامح لما يمكننا تحقيقه حين نكون متحدين. فقد ساعد صدور ثلاثة قرارات عن مجلس الأمن في العام الماضي إلى الوصول إلى آلاف المحتاجين عبر الحدود الدولية. يمكننا المساعدة. لكن فقط إن وضعنا جانبا مصالحنا الوطنية الضيقة لأجل الصالح الأعم ولأجل مستقبل الشعب السوري.

ووحدة الهدف هذه هي ما يتعين عليكم الاستناد إليها في الشهور القادمة. وأتمنى لكم كل التوفيق في جهودكم.

تاريخ النشر 24 April 2015