بيان شفوي للبرلمان

تصريح رئيس الوزراء في مجلس العموم حول التحقيق بشأن العراق

أدلى رئيس الوزراء، ديفيد كاميرون، بتصريح في مجلس العموم عقب نشر تقرير التحقيق بشأن العراق.

The Rt Hon David Cameron

تمهيد

نشر سير جون شيلكوت صباح اليوم تقريراً حول التحقيق المستقل بشأن العراق.

إنه يوم صعب بالنسبة لجميع العائلات التي فقدت أحباءها.

لقد طال انتظارهم لهذا التقرير، ولا بدّ أن تكون مشاعرنا وأفكارنا معهم في هذا اليوم.

وفي خضم حزنهم وغضبهم، آمل أن يتمكنوا من استخلاص بعض المواساة على الأقل من أعماق هذا التقرير المهول.

وفوق هذا كله، علّهم يشعرون بشيء من الارتياح حين يعلمون أننا لن ننسى أبداً الخدمة والتضحيات الهائلة التي قدمها أبناؤهم وبناتهم وأزواجهم وزوجاتهم… 179 من أبناء وبنات قواتنا المسلحة – و23 مدنيا بريطانيا – الذين بذلوا كل شيء لأجل بلدنا.

وعلينا كذلك ألا ننسى أبداً الآلاف الآخرين الذين عانوا من إصابات غيَّرت مجرى حياتهم – ولا بدّ لنا اليوم أن نتعهد برعايتهم حتى آخر يوم في حياتهم.

لقد كان من الممكن نشر هذا التقرير في وقت أبكر لو أنه بدئ به عندما دعا النواب في هذا الجانب من المجلس [المعارضة] وآخرون معهم إلى البدء به في سنة 2006.

غير أنني على يقين من أن أعضاء المجلس سيشاركونني في توجيه الشكر إلى سير جون ومستشاريه الخاصين… ومنهم المرحوم سير مارتن غيلبرت الذي توفي للأسف أثناء فترة إعداد هذا التقرير.

لقد كان هذا تحقيقا مستقلا تماما. وحتى وزراء الحكومة لم يطلعوا عليه إلا صباح يوم أمس.

وكان وزير شؤون مجلس الوزراء قد أشرف على عملية مكّنت سير جون من حرية الإطلاع على الأوراق الحكومية.

وكان معنى ذلك كشفا غير مسبوق لأوراق سرية… أوراق لجنة الاستخبارات المشتركة، ومذكرات أساسية من مجلس الوزراء، ومحاضر اجتماعات وحوارات بين رئيس وزراء المملكة المتحدة والرئيس الأمريكي، و31 مذكّرة شخصية من رئيس الوزراء وقتئذ توني بلير إلى الرئيس جورج بوش الإبن.

كما استمعت لجنة التحقيق أيضا لإفادات من أكثر من 150 من الشهود، ويقع التقرير في 2.6 مليون كلمة، يحويها 13 مجلداً بتكلفة زادت عن 10 ملايين جنيه استرليني.

من الواضح أن المجلس بحاجة إلى فرصة لدراسته ومناقشته بصورة معمّقة. ولسوف أخصص يومين كاملين للنقاش الأسبوع المقبل.

الاستنتاجات

هناك عدد من الأسئلة المهمة التي طرحت، بكل حق، بشأن العراق.

  • هل توجهنا إلى الحرب استنادا لحجج رائفة؟
  • هل اتخذت القرارات بالشكل المناسب، بما فيها تدارس المشورة القانونية؟
  • هل تمَّ التخطيط للعملية بصورة صحيحة؟
  • هل كنا مستعدين استعدادا مناسبا لما بعد الحرب الأولية؟
  • هل توفر لقواتنا التمويل والمعدات المناسبة؟

سأحاول هنا تلخيص الحقائق الأساسية التي تم التوصل إليها حول هذه الأسئلة قبل أن أنتقل إلى ذكر الدروس التي أعتقد أنه لا بدّ من تعلمها.

هل توجهنا إلى الحرب استنادا لحجج زائفة؟

لقد طُرح عدد من الأسباب لتوجهنا إلى الحرب في العراق، من بينها الخطر الذي شكّله صدام على شعبه وعلى المنطقة… والحاجة إلى التمسك بقرارات الأمم المتحدة.

ولكن، وكما يذكر كل أعضاء هذا المجلس، كان العنصر المحوري في نظر الحكومة هو مسألة أسلحة الدمار الشامل.

يرى سير جون أنه كان هناك “اعتقاد راسخ” لدى كل من الحكومتين البريطانية والأمريكية بأن صدام حسين كان يملك قدرات لأسلحة كيماوية وجرثومية، وأنه سعى إلى إعادة تطوير قدراته النووية، وأنه انتهج سياسة حثيثة من الخداع والتمويه.

وقد كانت هناك أسباب وجيهة لمثل هذا الاعتقاد.

فقد سبق لصدام أن أنتج أسلحة كيميائية في الماضي – واستخدمها ضد المدنيين الأكراد وضد الجيش الإيراني.

ولقد ناور وراوغ مفتشي الأسلحة الدوليين لعدة سنوات.

وواضح أن التقرير يرى أن النصيحة التي تلقتها الحكومة من دوائر الاستخبارات والسياسيين تفيد بأن صدام مستمر في الحصول على هذه القدرات ويسعى إلى تطويرها.

ولكن، وكما نعرف الآن، فإن الاعتقاد الذي كان سائدا في عام 2003 لم يعد يعكس الحقيقة والواقع.

يقول سير جون إنه “لم تكن هناك في أي وقت من الأوقات فرضية أن العراق ربما لن يمتلك أسلحة أو برامج أسلحة كيميائية أو جرثومية أو نووية – تكشفها أو تفحصها لجنة الاستخبارات المشتركة أو مجموعة السياسيين.”

وكما يشير التقرير، فإن المرحوم روبن كوك كان قد بيّن إمكانية التوصل إلى خلاصة مختلفة من واقع دراسة نفس المعلومات الاستخباراتية.

في أعقاب هجمات 11/9 شعر الأمريكيون وبحق بالقلق من خطر وقوع أسلحة دمار شامل في أيدي الإرهابيين.

ويرى سير جون أنه رغم تفهم القلق من الجمع الممكن بين انتشار أسلحة الدمار الشامل والإرهاب، إلا أنه لم يتوفر “أساس في تقييمات لجنة الاستخبارات المشتركة للإيحاء بأن العراق بحد ذاته كان مصدر هذا الخطر”.

وبالنسبة لمسألة الاستخبارات، فإن سير جون لم يعثر على دليل الاستعانة بالاستخبارات بصورة غير مناسبة أو أن 10 داوننغ ستريت – أو السيد بلير شخصيا – أثّروا بصورة غير ملائمة على نص ملف سبتمبر (أيلول) 2002. لكنه يرى أن استعمال مواد لجنة الاستخبارات المشتركة في شرح علني لم يوضّح بما فيه الكفاية حدود أو دقة التقييم.

فهو يقول إن الاستخبارات التي جرى تقييمها “لم تثبت بما لا يدع مجالا للشك إن كان صدام حسين قد استمر في إنتاج أسلحة كيميائية أو جرثومية، أو إن كانت جهود تطوير الأسلحة النووية قد استمرت.”

ويقول أيضا، إن لجنة الاستخبارات المشتركة “كان حريّاً بها أن توضّح هذه المسألة للسيد بلير”.

كما يجد سير جون أن التصريحات العامة للحكومة قدّمت قدرا من اليقين أكبر مما وفرته تقييمات لجنة الاستخبارات المشتركة.

وكان هناك أيضا عدم وضوح في التمييز بين ما قيّمته لجنة الاستخبارات المشتركة وبين ما اعتقده السيد بلير.

وبالعودة إلى النص في مقدمة السيد بلير لملف سبتمبر (أيلول) 2002، يجد سير جون “فرقاً بين ما اعتقده السيد بلير وما رأته لجنة الاستخبارات المشتركة.”

غير أن سير جون، ووفقا لكلماته هو، لم يشكّك في اعتقاد السيد بلير- ولا في دوره المشروع في مناصرة سياسة الحكومة.

هل كانت قانونية؟

بالانتقال إلى مسألة القانونية، التحقيق، كما جاء في التقرير حرفيا، “لم يعرب عن رأي حيال شرعية أو عدم شرعية مشاركة المملكة المتحدة في الحرب.”

ولكنه ينقل نصيحة قانونية قدّمها المدّعي العام في ذلك الوقت – وتصرفت الحكومة وفقاً لها – ألا وهي أن هناك أساس قانوني للعمل العسكري.

ومع ذلك، يوجّه سير جون انتقادا شديدا للخطوات التي اتبعت للتوصل إلى النصيحة القانونية ومناقشتها، حيث قال - بالحرف الواحد:

“إن الحيثيات التي أفضت في نهاية الأمر إلى القرار بأن هناك أساس قانوني لمشاركة المملكة المتحدة كانت بعيدة كل البعد عن كونها مقنعة”.

وإنني على ثقة من أن السادة والسيدات الأعضاء يريدون دراسة هذا الجزء من التقرير عن كثب.

كما وجد سير جون أيضا أن الخيارات الدبلوماسية في تلك المرحلة لم تُستنفد، وأن “العمل العسكري بالتالي لم يكن ملاذا أخيراً”.

ويقول سير جون إنه عندما أصبح من غير الممكن استصدار قرار ثانٍ من الأمم المتحدة، كان لزاما على المملكة المتحدة أن تفعل المزيد لاستنفاد كافة الخيارات الدبلوماسية، بما فيها إتاحة وقت أطول للمفتشين حتى يُكملوا مهمتهم.

هل اتخذت القرارات بالشكل الصحيح؟

أنتقل الآن إلى صنع القرارات، وفي التقرير توثيق دقيق للعمليات التي انتُهجت.

دارت مناقشات في مجلس الوزراء قبل اتخاذ قرار التوجه إلى الحرب. وقد شارك عدد من الوزراء، ومنهم وزيرا الخارجية والدفاع، في جزء كبير من عملية اتخاذ القرار.

مع ذلك فإن التقرير يوجه انتقادات محدّدة لعملية صنع القرار. وبما يتعلق تحديدا بخيارات العمل العسكري، يبدو من الواضح أن هذه القرارات لم تُناقش بالشكل المناسب من جانب لجنة وزارية أو مجلس الوزراء.

كانت الترتيبات في غالبيتها غير رسمية ومتقطعة، وكثيرا ما جرت بمشاركة مجموعة صغيرة من الوزراء والمستشارين، وبدون سجلات رسمية في بعض الأحيان.

ويرى سير جون أن السيد بلير أرسل في مراحل حرجة ملاحظات شخصية وقطع تعهدات مهمة للرئيس بوش دون مناقشتها أو الاتفاق عليها مع زملاء في الوزارة.

ومع أن سير جون يوجه انتقادات كثيرة إلى لعملية اتخاذ القرار – بما فيها طريقة التعامل مع المعلومات وتقديمها، فإنه لا يقول في أي وقت وبشكل صريح بوجود محاولة متعمّدة لتضليل الناس.

هل تم التخطيط للعملية بالشكل المناسب؟

بالانتقال إلى التخطيط العملياتي، فقد جرى الغزو الأولي سريعا نسبيا، ولا بد لنا أن نفخر بما استطاعت قواتنا المسلحة إنجازه بهذه السرعة.

ولقد تم ذلك بالرغم من أن الجيش لم يتوفر له الوقت الكافي ليخطط بشكل مناسب للغزو من الجنوب، فهو كان قد ركّز على الشمال إلى أن جاء قرار متأخر من الحكومة التركية بأنها ترفض دخول جيشنا عبر أراضيها.

وتم ذلك أيضا رغم المشاكل حول العتاد، وهو ما سوف أتحدث عنه لاحقا.

هل كنا مستعدين استعدادا مناسبا لما بعد الحرب الأولية؟

بيْد أن السؤال الأكبر يتعلق بالتخطيط لما قد يحدث بعد العملية الأولية.

يجد سير جون أنه “حين بدأ الغزو، لم تكن حكومة المملكة المتحدة في وضع يمكّنها من الاستنتاج بأنه جرى رسم خطط مرضية واتخاذ الاستعدادات لمواجهة تحديات وأخطار معلومة فيما بعد الحرب في العراق.”

ويضيف أن الحكومة “افتقرت إلى رؤية وزارية شاملة واضحة للاستراتيجية والتخطيط والاستعدادات والتنسيق الفعال ما بعد الحرب بين وزارات الحكومة” و”أخفقت في تحليل الأخطار وإدارتها بالصورة المناسبة”.

لقد ظلت الحكومة – وأقصد هنا المسؤولين والعسكريين والوزراء أيضا – مستمرة في تركيزها الشديد على الافتراضات… أن لدى الأمريكيين خطة، وأن الأمم المتحدة ستقوم بدور كبير، وأن المجتمع الدولي سيشارك في تحمّل الأعباء، وأن دور المملكة المتحدة سوف ينتهي بعد 3-4 أشهر من انتهاء الحرب.

ويخلص سير جون إلى القول بأن فشل الحكومة في الاستعداد بالشكل المناسب لما بعد الحرب “قلّل من احتمال إنجاز أهداف المملكة المتحدة الاستراتيجية في العراق.”

ويستخلص سير جون من ذلك أن توقع حدوث مشاكل ما بعد الحرب هذه “لم تتطلب حتى إدراك ما كان ينبغي عمله بعد فوات الأوان.”

عتاد وجنود

وبالحديث عن العتاد والجنود، كان سير جون واضحا في قوله بأن المملكة المتحدة أخفقت في رصد الموارد الملائمة للأهداف.

يقول سير جون، وبصورة قاطعة بأن “التأخر في توفير عربات دورية مناسبة مدرعة متوسطة الوزن، والفشل في تلبية احتياجات قوات المملكة المتحدة، بالنسبة لطائرات الهليكوبتر وتعيين الأهداف والاستطلاع، أمران ما كان يجب التهاون فيهما.”

ويقول “كانت وزارة الدفاع بطيئة في الرد على الخطر المتزايد في العراق من العبوات الناسفة المصنوعة محليا.”

وعاين التحقيق أيضا عددا من المناسبات التي كان من الممكن فيها إجراء تقييم جديد حقيقي لنهجنا حيال الوضع برمته في العراق ومستوى الموارد المطلوبة. ولكن رغم سلسلة التحذيرات من القادة في الميدان، لم يكن هناك أي تقييم جديد.

وعلاوة على هذا، وخلال السنوات الأربع الأولى، “لم يصدر أي بيان واضح بشأن سياسة تحدد المستوى المقبول للأخطار المحيقة بقوات المملكة المتحدة، ومن المسؤول عن إدارة هذه الأخطار.”

ويجد سير جون أيضا أن الحكومة – سيما الجيش – كانوا يركزون أساسا على الانسحاب من العراق، ويخططون للانتشار في أفغانستان في سنة 2006، وهو ما حوّل الجهود إلى وجهة أخرى.

خلاصة عامة

يخلص سير جون إلى أنه رغم أن توني بلير نجح في إقناع أمريكا بالعودة إلى الأمم المتحدة في سنة 2002، إلا أنه لم يكن ناجحا في تغيير موقف الولايات المتحدة من قرارات حرجة أخرى.

وأنه “في غياب الأغلبية المؤيدة للعمل العسكري في مجلس الأمن في ذلك الوقت، فإن المملكة المتحدة كانت تقوّض سلطة مجلس الأمن.”

ومع أنه من حق رئيس وزراء المملكة المتحدة أن يبحث بعناية الضرر الذي يمكن أن يلحق بالعلاقات الخاصة إذا لم يدعم الولايات المتحدة، فإن سير جون يقول إن هناك شك بأن تؤدي عدم المشاركة العسكرية هذه المرة إلى قطع هذه العلاقة.

وهو يقول بوجود فجوة كبيرة أصلا بين الأهداف الطموحة للملكة المتحدة وبين الموارد التي كانت الحكومة مستعدة للالتزام بتوفيرها. وأنه حتى لو رُصدت موارد أكبر، فإن الظروف المحيطة بالغزو زادت من صعوبة تحقيق نتائج كبيرة.

وبينما تمت المحافظة على وحدة أراضي العراق، فقد نشأت انقسامات طائفية حادّة، وفقد آلاف المدنيين العراقيين الأبرياء حياتهم. وبينما أن هذه الانقسامات لم تكن بسبب التحالف الدولي، إلا أن سير جون يعتقد بأنها تفاقمت لأسباب منها عزل المنتمين لحزب البعث، وعدم معالجتها ببرنامج مصالحة فعال.

بشكل عام، يجد سير جون أن سياسة الحكومة البريطانية كانت بعيدة جدا عن تحقيق أهدافها الاستراتيجية، وساهمت في خلق فراغ استغله تنظيم القاعدة.

دروس لا بدّ لنا من استخلاصها

لقد صدر قرار التوجه إلى الحرب طبعا بعرضه للتصويت في هذا المجلس، ولا بد لجميع الأعضاء الذين صوّتوا إلى جانب العمل العسكري أن يتحمّلوا قدرا من المسؤولية.

لا يمكننا إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. غير أنه يمكن لنا أن نتأكد من تعلّم الدروس والعمل وفقا لها. وسوف آتي على ذكرها بعد قليل – وسأتناول جميع المسائل المحيطة بآليات عمل الحكومة، والإجراءات المناسبة، والثقافة والتخطيط.

ولكن اسمحوا لي أولا أن أقول بأن تصحيح كل هذه الأمور لا يضمن نجاح تدخل عسكري. ففي ليبيا مثلا، أعتقد أنه كان من الصواب التدخل لمنع القذافي من ذبح شعبه. وفي تلك الحالة، تدخّلنا بموجب قرار لمجلس الأمن الدولي. وقد اتبعنا إجراءات عملية ملائمة. وكانت لدينا نصائح شاملة حول كل المسائل، ولم نرسل قواتنا للقتال على الأرض. بل عملنا بدل ذلك مع حكومة انتقالية ليبية.

ولكن ترتيب هذه الأمور بالشكل الصحيح لم يقلّل من هوْل تحديات التدخل. ولا تخفى الصعوبات في ليبيا اليوم على أحد.

بوصفي رئيس الوزراء طوال السنوات الست الأخيرة، ولدى قراءتي لهذا التقرير، أعتقد أن هناك بعض الدروس التي يجب علينا أن نتعلمها ولا نتوقف عن تعلمها.

أولا، مشاركة البلاد في الحرب يجب أن تكون دائما هي الملاذ الأخير، ويجب أن تتم فقط بعد استنفاد كل البدائل المعقولة.

ثانيا، آلية عمل الحكومة عامل مهم. ولهذا السبب، وفي اليوم الأول لي في منصبي، أسست مجلس الأمن القومي لضمان تنسيق اتخاذ القرار في كافة أنحاء الحكومة، بما في ذلك الإدارات المسؤول عن أمننا المحلي.

لا تقتصر مهام هذا المجلس على اجتماع للوزراء، بل يتوفر فيه القدر المناسب من الخبرات- حيث يضم رئيس أركان الدفاع، ورئيس لجنة الاستخبارات المشتركة، ورؤساء أجهزة الاستخبارات، وكبار المسؤولين ذوي الصلة. والمدّعي العام عضو الآن في مجلس الأمن القومي.

كما أنني عيَّنت أول مستشار للأمن القومي في المملكة المتحدة يرافقه فريق عمل مناسب في وزارة شؤون مجلس الوزراء للتأكد من أن جميع الأقسام الرئيسة في جهاز أمننا القومي مترابطة مع بعضها بالصورة المناسبة.

وتستعين أجهزة الأمن القومي أيضا بخبرات ومعرفة خبراء من خارج الحكومة. فذلك يساعدنا باستمرار في تحدي الحكمة التقليدية داخل النظام وتجنب “تفكير المجموعة”.

لا يمكن اليوم تصور الإقدام على اتخاذ قرار عن سابق إصرار لإرسال قواتنا المقاتلة بدون نقاش شامل يبحث كافة الجوانب في مجلس الأمن القومي، والاستناد إلى وثائق كاملة - بما في ذلك مشورة قانونية خطية يتم إعدادها وتمحيصها من جانب كل الإدارات ذات العلاقة، مع تدوين رسمي لتفاصيل القرارات.

ثالثا، أقول بأن الثقافة التي يؤسس لها رئيس الوزراء مهمة هي أيضا. فمن المهم جدا لاتخاذ القرار الجيد أن يهيئ رئيس الوزراء أجواء يشعر فيها المسؤولون وغيرهم من الخبراء بالأمان حين يتحدون السياسة القائمة ويشككون في وجهات نظر الوزراء – ورئيس الوزراء – دون خوف أو مِنَّة. ولا شك اليوم في أن كل من يجلس حول طاولة مجلس الأمن القومي يتمتع بحرية حقيقية في التعبير عن رأيه.

رابعا، إذا حدث وأن اتخذنا القرار الصعب بالتدخل في بلدان أخرى فان من الحيوي وضع مخطط مناسب لما سيحصل بعد ذلك. ونحن نعرف ضخامة مهمة إعادة بناء جهاز حكم فعال.

لهذا السبب أسّسنا صندوق الصراع والاستقرار وتحقيق الاستقرار، كما وسعنا وحدة تحقيق الاستقرار التي تضم إدارات حكومية مختلفة حتى يتمكن الخبراء من الانتشار سريعا في أوضاع ما بعد الصراع في أي مكان من العالم.

وبصراحة، ما كان من الممكن لأي من هذا أن يحدث بدون القرار التاريخي الذي اتخذناه لرصد 0.7 بالمئة من إجمالي دخلنا القومي للمساعدات الخارجية. ويُنفق الكثير من هذه الأموال على الدول الضعيفة والمتأثرة بالصراع – حيث لا تقتصر المساعدة على التخطيط لما بعد الصراع، بل للمساعدة في منع نشوب الصراعات في المقام الأول.

وخامساً، علينا ضمان تجهيز قواتنا المسلحة بالشكل المناسب على الدوام، وأن تتوفر لديها الموارد المناسبة. لهذا السبب نجري حاليا مراجعة دورية للأمن والدفاع الاستراتيجي، لنتأكد من أن الموارد التي لدينا تلبي طموحات استراتيجية الأمن القومي.

ونحن نفي بالتزامنا حيال حلف شمال الأطلسي بإنفاق 2 بالمئة من إجمالي الناتج القومي على الدفاع، ونخطط لاستثمار ما لا يقل عن 178 مليار جنيه استرليني على معدات عسكرية جديدة خلال العقد القادم.

كما عملنا على توثيق ميثاق القوات المسلحة في القانون لضمان حصول أفراد قواتنا المسلحة وعائلاتهم على المعاملة والاحترام الذي يستحقون. إن إرسال قواتنا الباسلة إلى ميدان المعركة بدون المعدات المناسبة لم يكن أمرا مقبولا. وبغض النظر عن الدروس جميعها التي سنتعلمها من هذا الصراع، علينا جميعا أن نتعهد بألا يتكرر حدوث ذلك مرة أخرى.

وستكون هناك دروس أخرى نتعلمها من دراسة هذا التقرير – وأتعهد اليوم بأن هذا هو بالضبط ما سوف يحصل.

دروس من الخطأ استخلاصها

بالتمعّن في هذا التقرير، ومن واقع تجربتي كرئيس للوزراء خلال السنوات الست الأخيرة، أرى أن هناك دروسا أخرى أعتقد أن من الخطأ استخلاصها.

أولا، سيكون من الخطأ الاستنتاج بأنه ليس من واجبنا أن نقف إلى جانب حلفائنا الأمريكيين عندما تكون مصالحنا الأمنية المشتركة معرضة للخطر. ويجب ألا نخشى أبدا من الحديث بصراحة وأمانة، تماما كما هو الحال دائما بين الأصدقاء المقربين.

وحيثما نرسل قوات بلدينا معا، لا بدّ وأن يكون هناك إطار هيكلي يتم من خلاله التعبير بشكل مناسب عن وجهات النظر ومعالجة الاختلافات.

ولكن تظل لدى بريطانيا وأمريكا القيم الجوهرية المشتركة ذاتها، وتظل الحقيقة هي أنه ليس لبريطانيا حليف وصديق أكبر من أمريكا في العالم، وأن شراكتنا تظل مهمة لأمننا وازدهارنا اليوم كما كانت دائما.

ثانيا، أعتقد أنه سيكون من الخطأ أن نستنتج بأننا لا نستطيع الاعتماد على ما تراه وكالات استخباراتنا الرائعة المثابرة على العمل الجاد. ونعرف قدر ما ندين لهم به في المساعدة في الحفاظ على سلامتنا في كل يوم من أيام السنة.

فمنذ شهر نوفمبر 2014، مكنتنا هذه الأجهزة من إحباط سبع هجمات ارهابية مختلفة خُطط لتنفيذها في شوارع المملكة المتحدة.

إن ما يظهره هذا التقرير هو أنه لا بد من الفصل بشكل مناسب بين عملية تقييم المعلومات الاستخباراتية وبين صنع السياسة المنبثق عن ذاك التقييم. وهذا هو ما فعلناه كنتيجة للإصلاحات التي أعقبت تقرير بتلر.

ثالثا، سيكون من الخطأ تماما أن نستنتج بأن جيشنا غير قادر على التدخل بنجاح في أنحاء العالم. فالكثير من الإخفاقات في هذا التقرير لم تتعلق مباشرة بأداء القوات المسلحة حين توجهت إلى العراق، بل كانت إخفاقات في التخطيط قبل إطلاق أي رصاصة.

وما من شك في أن القوات المسلحة البريطانية تظل مثار حسد العالم، والقرارات التي اتخذناها لضمان رصد الموارد المناسبة لها يتكفل أن تحتفظ بمكانتها هذه.

وأخيرا، علينا ألا نستنتج بأن التدخل سيكون عملا خاطئا دائما. فهناك بلا أدنى شك أوقات يكون فيها التدخل مصيبا – مثلما فعل بلدنا وبنجاح في كوسوفو وسيراليون.

وإني على يقين من أن الكثيرين في هذا المجلس يتفقون على أنه مرّت أوقات مؤخرا عندما كان علينا أن نتدخل ولكننا لم نفعل- كإخفاقنا في منع الإبادة البشرية في كل من رواندا وسريبرينتشا.

التدخل صعب. وخوض الحرب ليس هو دائما الجزء الأصعب. بل عادة ما يكون بناء الدولة الذي يعقب الحرب تحديا أكثر تعقيدا بكثير.

وعلينا ألا نكون ساذجين ونعتقد أن مجرد وجود أفضل الخطط المُعدّة سلفا يعني أن كل شيء في الواقع سيكون على ما يرام.

وفي المقابل، مجرد كون التدخل صعبا لا يعني أنه ليست هناك أوقات يكون فيها التدخل صحيحا وضروريا.

نعم، لقد تعلمت بريطانيا وستظل تتعلم من دروس هذا التقرير.

ولكن كما هو حاصل في تدخلنا ضد داعش في العراق وسورية اليوم، فإن على بريطانيا ألا تتراجع عن أداء دورها على الساحة العالمية، أو تتقاعس عن حماية شعبها.

تاريخ النشر 6 July 2016