خطاب

كلمة رئيس الوزراء في الجمعية العامة للأمم المتحدة 2014

إن الانعزال والتراجع عن مشكلة مثل داعش لن يؤدي سوى لجعل الأمور أكثر سوءا. وعلينا ألا نسمح لأخطاء الماضي أن تصبح ذريعة لعدم الاكتراث أو عدم التصرف.

تم نشره بموجب 2010 to 2015 Conservative and Liberal Democrat coalition government
UK PM

تواجه قيمنا وعزمنا في العام الحالي امتحانات غير عادية: في الاستجابة للاعتداء على إحدى الدول الأعضاء - أوكرانيا، وفي السعي للسلام في الشرق الأوسط، وفي التعامل مع الانتشار المروع لفيروس إيبولا في غرب أفريقيا.

وهذا يشمل أيضا التغلب على ما أريد التركيز عليه اليوم - الخطر المميت الذي نواجهه جميعنا بسبب نمو وانتشار داعش (الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام) في سورية والعراق.

دير الزور محافظة في شرق سورية، وهي موطن عشيرة الشعيطات. استولى عليها مقاتلو داعش الشهر الماضي وأعدموا 700 من أهالي العشيرة، الكثير منهم بقطع الرأس. غالبيتهم من المدنيين - المسلمين - رفضوا الولاء للنظرة الدنيوية المقززة لتنظيم داعش - ودفعوا حياتهم ثمنا لذلك.

لكنهم ليسوا وحدهم.

فقد واجه آلاف غيرهم في أنحاء سورية وشمال العراق نفس المصير: مسلمون - سنة وشيعة - ومسيحيون ويزيديون، ومواطنون من كافة الأديان والديانات. داعش مشكلة لا تنحصر بمنطقة واحدة فقط.

لديهم خطط مميتة للتوسع عبر الحدود إلى خارج العراق وسورية، وتنفيذ عمليات إرهابية وحشية في أنحاء العالم.

إنهم يجندون مقاتلين جدد من كافة أنحاء العالم. 500 من هؤلاء المقاتلين ذهبوا من بلدي بريطانيا، وواحد منهم هو على الأغلب من قتل بوحشية صحفيّيْن أمريكيّيْن وموظف إغاثة بريطاني.

إنها مشكلة تؤثر علينا جميعا، وعلينا مواجهتها معا.

وليس هناك شخص واحد حاضر هنا اليوم ينظر إلى هذا التحدي دون الإشارة للماضي. سواء في العراق أو في أفغانستان.

والآن من الصواب بالطبع أن نتعلم من دروس الماضي، وخصوصا ما حدث في العراق قبل عقد من الزمن.

لكن علينا أن نتعلم الدروس المناسبة. أجل لا بد من الاستعداد بكل عناية، ولا للاندفاع للمشاركة في صراع دون وجود خطة واضحة. لكن يجب ألا يكون موقفنا جامدا بهذا الشكل تخوّفا، فلا نفعل شيئا على الإطلاق.

إن الانعزال والتراجع عن مشكلة مثل داعش لن يؤدي سوى لجعل الأمور أكثر سوءا. وعلينا ألا نسمح لأخطاء الماضي أن تصبح ذريعة لعدم الاكتراث أو عدم التصرف.

والدرس الصحيح هو أن علينا أن نتصرف - لكن نتصرف بشكل مختلف. حيث علينا ضمان أن يكون تصرفنا:

  • شاملا - هزيمة فكر التطرف الذي هو السبب الأساسي للإرهاب - كي نفوز بمعركة الأفكار، وليس بمعركة القوة العسكرية فقط
  • ذكيا - دعم حكومات ممثلة لشعوبها وتخضع للمساءلة، والعمل معها بناء على طلب منها، وليس تجاهلها
  • شموليا - العمل مع شركائنا في المنطقة المستعدين لأن يكونوا جزءا من الحل، وربما يشمل ذلك إيران
  • بلا تهاون - استغلال كل السبل المتاحة لنا - بما فيها القوة العسكرية - لملاحقة هؤلاء المتطرفين

اسمحوا لي أن أتناول كل نقطة على حدة.

هزيمة الفكر المتطرف

إن السبب الأساسي لهذا الخطر الإرهابي هو فكر التطرف الإسلامي المسمم. لا علاقة لهذا الفكر بالدين الإسلامي، الذي هو دين سلام وتسامح يلهم الناس بالقيام بأعمال لا تحصى من الكرم كل يوم. بينما التطرف الإسلامي على الجانب الآخر يؤمن باستخدام أكثر أنواع الإرهاب وحشية لإجبار الناس على قبول نظرة دنيوية ملتوية والعيش في دولة أشبه ما تكون من القرون الوسطى.

ولهزيمة داعش - وتنظيمات أخرى شبيهة به - علينا هزيمة هذا الفكر بكافة أشكاله.

وكما يتبين من الأدلة التي تظهر لنا بشأن خلفيات المدانين بجرائم تتعلق بالإرهاب، من الواضح أن الكثير منهم وقعوا أساسا تحت تأثير دعاة يزعمون بأنهم لا يشجعون على العنف، لكن نظرتهم الدنيوية يمكن أن تكون مبررا له.

ونحن نعلم بأن هذه النظرة الدنيوية ما هي إلا ترويج لأكاذيب: بأن اعتداءات 11/9 كانت مخططا يهوديا أو أن اعتداءات 7/7 في لندن كانت مفبركة، وفكرة أن المسلمين يتعرضون للاضطهاد في أنحاء العالم في سياق سياسة غربية متعمدة، ومفهوم صراع حضارات لا مفر منه.

لكن علينا أن نكون واضحين بأننا كي نتمكن من هزيمة فكر التطرف علينا معالجة كافة أشكال التطرف - وليس فقط التطرف العنيف.

بالنسبة للحكومات هناك بعض الطرق الجلية التي يمكن من خلالها فعل ذلك. حيث علينا منع دعاة الكراهية من القدوم إلى بلادنا. وعلينا حظر منظمات تحرض على أعمال الإرهاب ضد مواطنين في بلادنا وفي الخارج. وعلينا العمل معا لحذف مواد كتسجيلات الفيديو الأخيرة التي تظهر إرهابيي داعش وهم يقتلون الرهائن. وعلينا أيضا منع ما يُطلق عليهم متطرفين غير عنيفين من التحريض على الكراهية والتعصب في مدارسنا وفي جامعاتنا وحتى في سجوننا.

بالطبع هناك من يجادل بأن هذا لا يتوافق مع حرية التعبير والحوار الفكري.

لكني أقول: هل نقف مكتوفي الأيدي ونسمح لمتطرفين يمينيين من النازيين أو جماعة كلو كلاكس كلان بتجنيد أتباع لهم في جامعاتنا؟ كلا.

وبالتالي علينا ألا نقف متفرجين والسماح بأي شكل من أشكال العنف غير المتطرف. علينا أن نجادل ما يقال عن نبوءات قيام حرب أديان عالمية يقف فيها المسلمون بمواجهة باقي العالم: فهذا هراء. إننا بحاجة لأن تسترد الحكومات والشعوب في أنحاء العالم دينها من هؤلاء الإرهابيين المرضى مثلما تفعل الكثير من الحكومات والشعوب حاليا، وبكل حق. وعلينا جميعا مساعدتها ببرامج تبعد الشباب عن هذه الأفكار المسممة. ونحن بحاجة لأكبر تركيز دولي ممكن بشأن مواجهة هذا الفكر - وهذا هو السبب بأن المملكة المتحدة تدعو هنا في الأمم المتحدة إلى وجود ممثل خاص معني بالعنف.

العمل مع حكومات ممثلة لشعوبها وتخضع للمساءلة

لكن مكافحة الإرهاب وحدها لن تكفي.

فالشيوعية لم تهزم بمجرد الإشارة إلى أوجه القصور فيها - لكن ببيان أن هناك بدائل متمثلة بالحريات الاقتصادية والديموقراطية وسيادة القانون، والتي يمكنها بناء مجتمعات أفضل وعالم أفضل. فلا بد للشباب أن يروا ويلمسوا قوة طريق مختلف أفضل وأكثر انفتاحا وديموقراطية. وقد علمنا القرن العشرين أهمية دور الحكومات الممثلة لشعوبها الخاضعة للمساءلة في توفير الفرص والأمن والكرامة لشعوبها.

بالطبع يجب ألا نكون ساذجين: فليس باستطاعة كل بلد أن يتحرك بنفس سرعة غيره أو حتى الوصول لنفس النتيجة. وعلينا احترام اختلاف الثقافات والتقاليد والتواريخ. لكن لنكن واضحين: إن الفشل في تلبية تطلعات الشعوب يمكن أن يهيئ البيئة المناسبة ليترسّخ بها المتمردون المتطرفون أو حتى الإرهابيون.

والحكومات التي تحكم لصالح جزء من شعبها تتسبب بنقمة عميقة. ففي العراق أدى فشل حكومة المالكي بأن تكون ممثلة لكافة أطياف الشعب العراقي إلى اندفاع بعض أفراد الشعب للتعاون مع المتطرفين. وكثيرا ما يواجه الناس خيارا زائفا بين حكومة استبدادية غير ممثلة للجميع من جهة - أو تمرد وحشي يساء فيه استغلال الدين كأساس لندائه وفكره من جهة أخرى. ولمكافحة ذلك علينا دعم بناء لبنات المجتمعات الحرة والمنفتحة.

في العراق ذلك يعني دعم تشكيل حكومة جديدة تشمل الجميع حقا وتكون قادرة على توحيد كافة العراقيين - سنة وشيعة وأكراد ومسيحيين وغيرهم.

وفي سورية لا بد وأن يعني ذلك عملية انتقال سياسية ووضع نهاية لوحشية الأسد.

أعلم أن هناك من يعتقدون بوجوب أن نتوصل لاتفاق مع الأسد بهدف هزيمة داعش. لكني أعتقد أن هذا الرأي مغلوط إلى حد خطير. فعدو عدونا ليس صديقنا. بل هو عدو آخر. والتوصل لاتفاق مع الأسد لن يؤدي لهزيمة داعش - ذلك لأن تحيز ووحشية نظام الأسد كانا ومازالا من أقوى أدوات التجنيد في صفوف المتطرفين. إن سورية بحاجة لما يحتاجه العراق: حكومة ديموقراطية تشمل الجميع وممثلة لكافة أطياف المجتمع يمكنها أن ترعى مصالح كافة أفراد شعبها.

وبالتالي فإنني أقول لمن ساندوا الأسد أو وقفوا جانبا متفرجين: إننا على استعداد للعمل معكم في سياق جهود سياسية جديدة لضمان وجود حكومة ممثلة للجميع وتخضع للمساءلة في دمشق ويمكنها مكافحة داعش. لكن بكل بساطة من غير المعقول أن يكون الأسد على رأس حكومة كهذه، رغم أننا على استعداد للنظر في كل خيار عملي لإيجاد سبيل للمضي للمستقبل.

اتباع نهج شمولي

ثالثا، علينا أن نتبني الشمولية بالتواصل مع أوسع تحالف ممكن من الدول في هذه الجهود. فتنظيم داعش يشكل خطرا علينا جميعا. لكن أكبر خطر تواجهه المنطقة. ونحن نرحب جدا بأن عددا من الدول العربية قد شاركت بالفعل في الإجراء المتخذ لتفكيك داعش. وقد أبدوا بذلك شجاعة وقيادة.

كما يجب إعطاء الفرصة لإيران لأن تبرهن أنها يمكن أن تكون جزءا من الحل، وليست جزءا من المشكلة. وقد اجتمعت في وقت سابق مع الرئيس روحاني. هناك اختلافات شديدة بيننا: دعم إيران لمنظمات إرهابية، وبرنامجها النووي، ومعاملتها لشعبها - كل ذلك يجب أن يتغير.

لكن باستطاعة قادة إيران القضاء على تهديد داعش. حيث بإمكانهم المساعدة بأن يصبح العراق أكثر أمنا واستقرارا وشمولية، وأن تكون سورية أكثر استقرارا وشمولية. وإن كان لديهم الاستعداد لفعل ذلك فإننا نرحب بمشاركتهم.

اتباع نهج لا تهاون فيه

أخيرا، حين يكون أمن وسلامة مواطنينا في خطر، يجب ألا نتهاون في ردنا. وهذا يبدأ من داخل البلد.

من جهتنا، في المملكة المتحدة، نحن بصدد استحداث سلطات جديدة لتعزيز قدرتنا على مصادرة جوازات السفر ومنع المشتبه بهم من السفر. ولتتيح لنا سحب الجنسية البريطانية ممن يحملون جنسيتين، ومنع بعض المواطنين البريطانيين من العودة مؤقتا إلى بلدنا. وضمان التزام شركات الطيران بقائمة حظر نقل مسافرين محددين وتطبيق ضوابط للتدقيق الأمني. وتتيح لشرطتنا وأجهزتنا الأمنية تطبيق ضوابط أقوى على المتواجدين في المملكة المتحدة الذين يشكلون خطرا.

وهنا في الأمم المتحدة كان لنا الدور القيادي في صدور قرار عن مجلس الأمن لتجفيف مصادر تمويل داعش، وفرض عقوبات على من يسعون لتجنيد أفراد للالتحاق بهم، وتشجيع الدول على بذل كل ما باستطاعتها لمنع المقاتلين الأجانب من الانطواء تحت راية التطرف.

لكن ماذا عن دور جيشنا؟

لا أعتقد بأن أفضل سبيل لمواجهة خطر هذا التطرف الإسلامي يكون بوجود قوات غربية على الأرض تحاول مباشرة تهدئة أو إعادة تشكيل دول شرق أوسطية أو أفريقية. إلا أن متابعة نهج ذكي وشامل لا بد وأن يكون فيها دور لجيوشنا.

حيث باستطاعة جيوشنا دعم الجهود الإنسانية الجبارة الضرورية - مثلما فعلت طائرات سلاح الجو الملكي البريطاني حين ساعدت ملايين المواطنين الذين فروا من داعش. وعلينا - معا - فعل المزيد لبناء قدرات السلطات الشرعية التي تقاتل المتطرفين.

هذا يمكن أن يعني التدريب والتجهيز والإرشاد. وتوفير التقنيات وغيرها من الموارد اللازمة لتحقيق النجاح. وسواء كان ذلك دعم اتخاذ إجراء ضد بوكو حرام في نيجيريا، أو الشباب في الصومال، أو أنصار الشريعة في ليبيا، أو ضد تنظيم القاعدة في اليمن - فإن من الصواب مساعدة الذين يقاتلون على الخطوط الأمامية لأجل حماية مجتمعاتهم وبلادهم وحرياتهم.

ونحن نقدم، إلى جانب شركائنا الأوروبيين، معدات مباشرة للقوات الكردية. ونعمل على تعزيز صمود القوات العسكرية في لبنان والأردن. كما أن طائرات تورنادو وطائرات الاستطلاع تساعد بالفعل في جمع المعلومات الاستخباراتية والجوانب اللوجستية للمساعدة في دعم من يواجهون داعش في العراق.

ولدينا الآن تحالف كبير، يشمل دولا عربية، ملتزم بمواجهة وهزيمة داعش. ولدينا استراتيجية شاملة لفعل ذلك - تنطوي على عناصر سياسية ودبلوماسية وإنسانية وعسكرية نحتاجها لتحقيق النجاح مع مرور الوقت.

وقد تلقى مجلس الأمن الدولي الآن طلبا صريحا من الحكومة العراقية لدعم عملياته العسكرية ضد داعش. وبالتالي لدينا أساس واضح في القانون الدولي نستند إليه لاتخاذ إجراء. وعلينا التصرف لما هو في مصلحتنا القومية لحماية مواطنينا ومجتمعنا.

وبذلك فإن من الصواب أن تتحرك بريطانيا الآن إلى مرحلة جديدة من الإجراءات. وبالتالي فإنني دعوت البرلمان للانعقاد يوم الجمعة للحصول على موافقة مشاركة المملكة المتحدة في الضربات الجوية الدولية ضد داعش في العراق.

رسالتي اليوم بسيطة. إننا نواجه شرا لا بد وأن يتحد العالم كله ضده. وكما هو الحال دائما فيما يتعلق بالحرية والديموقراطية والعدالة، سوف تؤدي بريطانيا دورها.

تاريخ النشر 25 September 2014