بيان شفوي للبرلمان

غزة والسودان: كلمة وزيرة الخارجية، 18 نوفمبر 2025

ألقت وزيرة الخارجية، إيفيت كوبر، كلمة أمام مجلس العموم في 18 نوفمبر 2025 حول الأوضاع في غزة والسودان.

The Rt Hon Yvette Cooper MP

شكرا السيدة نائب الرئيس. أريد أن أحيط المجلس علما بما استجد بشأن اثنين من أخطر الصراعات التي يشهدها العالم - في غزة والسودان - عقب القرارات الأخيرة التي صدرت عن الأمم المتحدة والمحادثات التي تداولتها مجموعة السبع، وكذلك الإجراء الذي تتخذه الحكومة البريطانية سعيا للسلام.

أولا، في غزة. بعد سنتين مضت على أفظع أشكال المعاناة في غزة، بدأ تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الذي أُبرم بقيادة الرئيس ترامب وبتأييد من قطر ومصر وتركيا منذ ستة أسابيع.

والآن وصل عشرون من الرهائن إلى بيوتهم في كنف أحبائهم، وأعيد رفات 25 رهينة أخرى حتى يستطيع ذويهم الحزن على فقدانهم. ومزيد من شاحنات المساعدات تدخل غزة، إلا أن وقف إطلاق النار هش للغاية. فالطريق ما زال طويلا أمام تنفيذ الالتزامات المقطوعة في شرم الشيخ والوصول إلى سلام دائم.

وفي الليلة الماضية، أقر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2803. وصوتت المملكة المتحدة لصالح هذا القرار المهم، الذي يخول تشكيل قوة دولية لإحلال الاستقرار في غزة، ووضع ترتيبات للمرحلة الانتقالية، بما في ذلك مجلس السلام وتشكيل لجنة فلسطينية.

يشدد القرار على الحاجة الأساسية للمساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار، ويوجه الطريق نحو مسار يتيح للفلسطينيين تقرير المصير وإقامة دولة فلسطينية. والمهم أن هذا القرار حظي بتأييد السلطة الفلسطينية والشركاء العرب والمسلمين في المنطقة وخارجها. وهذا القرار خطوة مرحلية مفصلية تؤكد الإجماع على خطة الرئيس ترامب المكونة من 20 نقطة. ولكن يجب الآن الحفاظ على هذا الزخم.

ومن الضروري تمكين نشر قوة دولية لإحلال الاستقرار وشرطة فلسطينية مدرَّبة على وجه السرعة، بهدف ترسيخ وقف إطلاق النار وتجنب حدوث فراغ يمكن أن تستغله حماس. كما أننا نحتاج إلى تشكيل عاجل للجنة فلسطينية، إلى جانب مجلس السلام. وكما قلنا بوضوح في الليلة الماضية أمام الأمم المتحدة، لا بد من تنفيذ هذه الترتيبات الانتقالية وفقا للقانون الدولي، وعلى نحو يحترم السيادة الفلسطينية وحق تقرير المصير.

يجب أن ترسخ هذه الترتيبات وحدة قطاع غزة والضفة الغربية، وأن تمكِّن المؤسسات الفلسطينية من إتاحة المجال لسلطة فلسطينية مُصلحة لكي تستأنف الحكم في غزة، لأن فلسطين يجب أن يدير شؤونها الفلسطينيون.

ويتعين استمرار العمل لتنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار. ذلك يعني العمل لكي تُفرج حماس عن رفات الرهائن الثلاثة الباقين الذين احتُجزوا في الهجوم الإرهابي في السابع من أكتوبر، كي يستطيع ذووهم الحزن على فقدانهم كما ينبغي.

ونحتاج بصورة عاجلة إلى زيادة كبيرة في المساعدات الإنسانية، لأن المساعدات التي تصل إلى غزة لا تزال تدخل في قطرات بدلا من أن تتدفق بغزارة. ومنذ أسبوعين في الأردن، تفقدتُ مستودعات المعونات البريطانية لغزة - بما في ذلك مستودع يديره برنامج الأغذية العالمي وفيه ما يكفي من القمح لإطعام 700,000 شخص لمدة شهر. إلا أن هذه المساعدات لا تزال عالقة هناك، لأن الطريق الأردني المؤدي إلى غزة لا يزال مغلقا.

وقيل لي هناك بأنه يوجد ما يزيد على 30 مستودعا آخر في مكان قريب، يحتوي موادا غذائية ولوازم إيواء وخيام ومستلزمات طبية - على مسافة أقل من 100 ميل من غزة، ولكنها مع ذلك لا تدخلها بعد. والآن أعرب عن ترحيبي بالزيادات الأخيرة في تدفق المساعدات، وبفتح جزئي حاليا لمعبر إضافي، وهو معبر زيكيم. ولكن هذا لا يكفي بأي حال.

نحن بحاجة إلى فتح كل المعابر البرية - بما فيها معبر رفح مع مصر - لساعات أطول وبشكل ثابت. ويجب فورا العمل عاجلا في كل أنحاء غزة لإعادة بناء الخدمات العامة الأساسية، وتوفير أماكن إيواء مع دخول فصل الشتاء. كما يجب السماح للطواقم الطبية بحرية الدخول إلى غزة والخروج منها، وتحتاج المنظمات غير الحكومية الدولية إلى التأكد من إمكانية مواصلة عملها.  

وقد تحدثتُ إلى ملك الأردن وأطباء في عمّان حول وحدة للأمومة وحديثي الولادة في مستشفى ميداني، وهي جاهزة للانتقال إلى غزة. ولكن، مرة أخرى، لا يمكنهم الدخول حتى الآن. في حين أن الحكومة الإسرائيلية تستطيع، بل ويجب الآن، أن تزيل هذه العقبات الآن وتُنهي حالة عدم اليقين.

وإلى جانب عملنا مع الولايات المتحدة وشركاء آخرين، فإننا نستفيد من مواطن قوة استثنائية تتميز بها المملكة المتحدة لدعم سلام دائم.

فنحن نقدم خبرة عملية، مستمدة من تجربتنا في إيرلندا الشمالية، في نزع السلاح ومراقبة وقف إطلاق النار.  ونساعد في إزالة الألغام والذخائر غير المنفجرة – بتوفير تمويل بريطاني جديد يبلغ 4 ملايين استرليني مخصص لدائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام، وتمويل لزيادة عدد الخبراء، بما في ذلك من منظمات بريطانية مثل مؤسسة هالو تراست لإزالة الألغام والمجموعة الاستشارية لإزالة الألغام، التي شهدتُ بنفسي مؤخرا عملهما الرائع. وفيما يتعلق بالتنسيق المدني-العسكري، لدينا مختصين بريطانيين ملحقين بمركز مخصص، بقيادة أمريكية، للنهوض بجهود إحلال الاستقرار في غزة.

وإلى جانب غزة، من الضروري ضمان الاستقرار في الضفة الغربية لتحقيق أي سلام دائم. حيث يقلقني أن السلطة الفلسطينية تواجه أزمة اقتصادية بسبب القيود الإسرائيلية التي تُحكم الخناق على الاقتصاد الفلسطيني.

لذا يجب على حكومة نتنياهو أن تمدد الترتيبات بين البنوك الإسرائيلية والفلسطينية، لا أن تهدد بإنهائها - إذ إنها ضرورية للاقتصاد اليومي للفلسطينيين، وضرورية للاستقرار – وهذا يصب بدوره في مصلحة إسرائيل أيضا.

كذلك تستمر وتيرة بناء المستوطنات غير القانونية. وشهدنا مزيدا من الوقائع المروعة لعنف المستوطنين خلال موسم حصاد الزيتون. ورغم ترحيبي بإعراب الرئيس الإسرائيلي هرتسوغ عن قلقه، فإن استجابة السلطات الإسرائيلية غير كافية، من الناحيتين العملية والقانونية.

من الضروري التصدي للتوسع الاستيطاني وعنف المستوطنين لحماية حل الدولتين – تماشيا مع القرار التاريخي للمملكة المتحدة للاعتراف بدولة فلسطين. 

السيدة نائب الرئيس، اسمحي لي الآن أن أنتقل للحديث عن السودان، حيث ملامح أسوأ أزمة إنسانية يشهدها القرن الحادي والعشرون لا تزال تتكشف الآن.

حيث إن وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، توم فليتشر، الذي زار المنطقة للتو، قد وصفها بأنها: “بؤرة المعاناة في العالم” - وهو محق في ذلك. فهناك ما يزيد على 30 مليون شخص يحتاجون إلى مساعدة منقذة للحياة. وأُجبر اثنا عشر مليون شخص على النزوح عن ديارهم. والمجاعة تنتشر. والكوليرا والأمراض التي يمكن تفاديها متفشية.

وفي الفاشر، بعد تقدم قوات الدعم السريع، رأينا مشاهد مروعة من الفظائع، من عمليات إعدام جماعي، وتجويع، واستخدام ممنهج للاغتصاب كسلاح حرب. أهوال مروعة لدرجة أن بالإمكان مشاهدتها من الفضاء.

فعلى حد وصف مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، فإن الفاشر مسرح جريمة. إذ تبيِّن صور الأقمار الصناعية تغيّر لون الرمال، دلالة على وجود بِرَك من الدماء. وكُتل عديدة من أشياء يتطابق شكلها مع أكوام من الجثث البشرية، وحرق واضح للجثث، وعمليات التخلص منها في مقابر جماعية.

وسوف تنكشف أهوال أخرى في حال عدم اتخاذ إجراءات أشد. طرحت بريطانيا منذ عام قرارا أمام مجلس الأمن مطالِبة بدخول المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين. إلا أن روسيا صوتت ضده آنذاك على نحو مُخزٍ. ومنذ ستة أشهر، في مؤتمر السودان الذي استضفناه في لندن، دعت المملكة المتحدة لاجتماع شركاء دوليين، أفضى إلى التعهد بتمويل بلغ 800 مليون استرليني. ولكن الوضع مستمر في التدهور، بما في ذلك في شمال كردفان التي تتعرض الآن للتهديد، وانتقال القتال إلى العبيد.

لذا فإننا بحاجة إلى تغيير كامل في الجهود من أجل تخفيف المعاناة وإحلال السلام. ذلك يعني مزيدا من المساعدات إلى مَن هم في حاجة إليها. وقد رصدت المملكة المتحدة أكثر من 125 مليون استرليني هذا العام فقط - لتقديم دعم منقذ للحياة إلى ما يزيد على 650,000 شخص، ومعالجة الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد، وتوفير الماء والأدوية، ومساندة ضحايا الاغتصاب.

لكن لا يزال التحدي هو وصول المساعدات إلى المحتاجين. فحتى الآن ترفض قوات الدعم السريع توفير ممر آمن لمنظمات الإغاثة في المنطقة المحيطة بالفاشر. وقوات الجيش السوداني تفرض قيودا جديدة تحول دون وصول المساعدات. يجب على كلا الطرفين السماح دون عوائق بمرور موظفي العمل الإنساني وإمدادات الإغاثة والمدنيين العالقين.

ونحن نضغط عاجلا للاتفاق على هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر لإدخال الإمدادات المنقذة للحياة. إلا أن المساعدات لن تحل صراعا يدفعه بإصرار الطرفان المتحاربان. لذلك، فإننا بحاجة ماسة إلى وقف دائم لإطلاق النار، تدعمه عملية سياسية جدية.

منذ أسبوعين، دعوتُ في مؤتمر حوار المنامة في البحرين لبذل نفس الجهود الدولية المكثفة لمعالجة الأزمة في السودان، مثلما رأينا في غزة.

وفي نياغرا في الأسبوع الماضي، انضممتُ إلى شركائنا في مجموعة السبع في الدعوة إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار، ودخول المساعدات الإنسانية بلا عوائق، ومساهمة الفاعلين الخارجيين في استعادة السلام والأمن.

ونحن نتواصل على نحو مكثف مع دول المجموعة الرباعية – دولة الإمارات والسعودية ومصر والولايات المتحدة، التي دعت مجتمعة الآن إلى الاتفاق على هدنة إنسانية فورية، ووضع نهاية للدعم والتسليح الخارجي الذي يؤجج القتال. وأؤيد بقوة تعليقات أدلى بها مؤخرا وزير الخارجية روبيو بشأن ضرورة وضع حد للأسلحة والدعم الذي تحصل عليه قوات الدعم السريع من خارج السودان. 

وفي يوم الجمعة الماضي، دعت المملكة المتحدة لعقد جلسة استثنائية لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، حظي فيها مشروع قرار مقدم من المملكة المتحدة بإجماع دولي بشأن فتح تحقيق أممي عاجل في الجرائم التي يُعتقد بأنها ارتكبت في الفاشر. لأن هذه الأحداث المروعة لا يمكن أن تكون نتيجتها الإفلات من العقاب.

يجب أن نضمن دخول فرق يمكنها التحقيق في هذه الفظائع ومحاسبة الجناة. وقد وجهتُ تعليماتي للمسؤولين العاملين معي لفرض عقوبات محتملة فيما يتعلق بانتهاكات وإساءات لحقوق الإنسان في السودان. السيدة نائب الرئيس، سوف تنهض المملكة المتحدة بدورها الكامل لضمان أن يكون الشعب السوداني، وليس أي من الطرفين المتحاربين، هو من يقرر مستقبل السودان.

والحروب التي تستعر دون حل، لا تُلحق بالمدنيين ضررا لا حد له فحسب، بل إنها أيضا تفضي إلى عدم الاستقرار على نطاق أوسع. فهي تقوض أمن الدول المجاورة، وتدفع بالمهاجرين للشروع في رحلات محفوفة بالخطر.

لذا فإننا نسعى إلى تلبية تلك الاحتياجات الإنسانية العاجلة، ونسعى إلى تأمين ليس فقط غياب القتال، بل أيضا وجود سلام دائم. ومن غزة إلى السودان، لا يمكن عمل ذلك إلا من خلال التعاون الدولي، وعن طريق اجتماع الدول في سعيها لإرساء السلام.

أعهد إلى المجلس بهذه الكلمة.

Updates to this page

تاريخ النشر 18 نوفمبر 2025