خطاب

كلمة وزير الخارجية في حوار المنامة حول التحديات التي يشكلها التطرف

تناول وزير الخارجية، فيليب هاموند، بكلمته التي ألقاها في حوار المنامة موضوع التطرف والإرهاب وأمن الخليج ومكافحة داعش والتطرف بكافة أشكاله.

British Foreign Secretary Philip Hammond

تسرني العودة بزيارة أخرى إلى البحرين والانضمام لزملائي الكرام على هذه المنصة. رغم أن هذا ثاني لقاء لحوار المنامة أحضره، فإنه دخل الآن عقده الثاني، وبالتالي أهنئكم على هذه السلسلة الرائعة من المؤتمرات.

صاحب السمو الملكي، زملائي الوزراء، أصحاب السعادة، سيداتي وسادتي.

تواجه المنطقة صراع بقاء ضد الإرهاب الإسلامي المتطرف. وقبل أن أتحدث عن التحديات التي يشكلها التطرف – وكيف نسعى نحن في المملكة المتحدة لمواجهته – أود الحديث عن الأمن في المنطقة.

لقد تحدثت في السنة الماضية، في هذا المؤتمر، عن التزام بريطانيا تجاه شركائنا في الخليج، والتزامنا بأمن الخليج. وأعلنت تشييد قاعدة جديدة للبحرية الملكية البريطانية في ميناء سلمان، على بعد بضعة كيلومترات من هنا، بفضل سخاء جلالة الملك حمد. وتلك عودة إلى التواجد البريطاني الدائم بمنطقة شرق السويس.

وخلال هذه السنة وقعت الكثير من الأحداث، بما في ذلك الاتفاق البارز بشأن برنامج إيران النووي، وأعقبه إعادة فتح السفارة البريطانية في طهران.

وبالتالي أود أن أبدأ كلمتي اليوم بتأكيد التزام بريطانيا بأمن شركائنا التقليديين في منطقة الخليج. لقد قلت في السنة الماضية “أمنكم هو أمننا”. ذلك كان صحيحا حينها، ومازال صحيحا اليوم.

في صميم العلاقات التي تربطنا بحلفائنا الأساسيين في المنطقة التزام مشترك بمجالات الدفاع ومكافحة الإرهاب. التزام يجعل بريطانيا أكثر أمانا، ويجعل منطقة الخليج أكثر أمانا.

وسوف ننشر خلال الشهور القليلة القادمة “استراتيجية الخليج” التي تحدد رؤيتنا بشأن علاقات بريطانيا مع شركائها الخليجيين طوال السنوات العشرين القادمة أو نحو ذلك – بما في ذلك كيفية تحديد الجوانب العملية من التزامنا تجاه تواجد عسكري أكثر استدامة في المنطقة – البري والبحري والجوي.

وحيث أنني كنت وزير دفاع سابق، فقد لا يكون مفاجأة بالنسبة لكم أنني أتطلع إلى الوقت – في أوائل العقد القادم – حين تشارك حاملتا الطائرات الجديدتان، اللتان يجري بناؤهما حاليا – في مهمة حماية أمن مياه الخليج، إلى جانب طائرات الشبح إف 35 المتممة لها.

وعودة إلى موضوعي الأساسي، فإن التحديات التي يشكلها التطرف ليست جديدة بالطبع. فقد واجهنا أيديولوجيات متطرفة فيما مضى – وأبرزها الفاشية والشيوعية في القرن العشرين – وتغلبنا عليها.

لكن الخطر الذي نواجهه اليوم مختلف بطبيعته. ذلك لأن الأيديولوجية التي يُبنى عليها التطرف الذي نواجهه ليست ابتكارا جديدا، كالفاشية أو الشيوعية، بل إن جذورها نابعة من تفسير مضلل لواحد من الأديان العظيمة؛ ولهذا السبب فإن جذورها أعمق وأوسع انتشارا – وهي تستغل قوة الإنترنت لنشر رسالتها في أنحاء العالم بطريقة لم تكن متوفرة لأي حركة متطرفة سابقة.

إن مواجهة التطرف الإسلامي ربما تكون أكبر تحدٍّ في عصرنا. وهو تحدٍّ لا بد وأن يواجهه كل بلد. والاعتداءات المروعة يوم 9/11 في نيويورك، ويوم 7/7 في لندن، ومؤخرا في كل من سيدني وباريس وسوسه تعكس الطبيعة العالمية لهذا التهديد.

لكن للتطرف الإسلامي أكبر أثر هنا، في هذه المنطقة – حيث اضطر ملايين الناس للنزوح عن ديارهم، وفي الكثير من الأحيان النزوح إلى خارج بلادهم، نتيجة استيلاء داعش على أراضٍ في العراق وسورية؛ بينما المئات من الناس فقدوا أرواحهم أو أصيبوا نتيجة اعتداءات عشوائية نفذت في أنحاء المنطقة.

إن عقيدة داعش المتطرفة هدّامة إلى جانب كونها بربرية غوغائية: حيث أنه يسعى لتحقيق أهدافه من خلال الترهيب والعنف، والقتل الذي يطال الجميع – من مسلمين وغير مسلمين – الذين لا يتفقون معه بشأن نظرته الدنيوية المحرفة. ومعتقداته الأساسية، إلى جانب العنف والترهيب، تشمل التمييز والإخضاع والطائفية. كما يسعى، من خلال ما يُطلق عليه الخلافة، إلى تقويض وهدم الدول التي تشكل لبنات بناء نظامنا العالمي.

إن داعش، والأيديولوجية الإسلامية المتطرفة التي يعتنقها، يشكل تهديدا حقيقيا لأمننا جميعا. وبلتالي علينا أن نتبنى ردا مشتركا على هذا التهديد المشترك أن أردنا، معا، مواجهته وهزيمته. وقد فعلنا ذلك ببكل تأكيد في ردنا على التهديد العسكري من داعش.

أعلم من واقع زياراتي للمنطقة في وقت سابق من الأسبوع الحالي وفي الشهور الماضية أن دولا قليلة مشاركتها في القتال ضد داعش – ودولا قليلة مواجهتها الواضحة لعواقب نشوء داعش – أكثر مما هو الحال في دول هذه المنطقة. أشيد بجهودكم وأقدم التعازي لتضحياتكم. يمكننا معا، كتحالف دولي، أن نكون على ثقة بأن جهودنا تضعف داعش؛ وسوف نهزمه مع مرور الوقت.

لكن النقطة التي أود توضيحها اليوم هي أن هزيمة داعش لا تكفي. حيث أن القضاء على التهديد الكامن لأمننا يتطلب منا هزيمة الأيديولوجية الإسلامية المتطرفة التي يبني داعش عليها عقيدته.

كما قال رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، هذا صراع جيل. ونحن في بريطانيا أدركنا – ربما متأخرين عما كان يجب – أن لكي ننتصر في هذا الصراع علينا مواجهة كافة أشكال التطرف، وليس التطرف العنيف فقط. علينا أن نواجه مباشرة ما يزعمه المتطرفون – بما في ذلك النقطة المهمة جدا المتعلقة بزعمهم أن مبادئ الإسلام غير متوافقة مع مبادئ المواطنة الصالحة في الدول الغربية، وأن التصويت بالانتخابات “حرام”، إلى جانب احتفائهم بالعنف، أو دفاعهم عنه، أينما وقع. ذلك لأن مزاعم المتطرفين، حتى بأشكالها التي كنا نميل حتى الآن لتجاهلها، حين ندعها تمر دون مواجهتها فإنها تهيئ البيئة التي يرعى بها العنف.

ولفعل ذلك علينا فهم سبب الجنوح نحو التطرف من الأصل. وكيف يتدرج من تطرفوا من المرحلة المبكرة لفضولهم بشأن التطرف إلى المشاركة بالعنف؛ والسبب، في بريطانيا، الذي يجعل شباب وشابات متعلمين يتخلون عن وظائف جيدة وفرص واعدة ليلتحقوا، وعادة يموتوا تحت راية داعش السوداء. ولماذا هناك في العراق وسورية الكثير ممن جذبتهم قضية داعش البربرية. ولماذا أتى آلاف الناس، من أنحاء المنطقة والعالم، إلى معقل هذه الامبراطورية الشريرة.

علينا إدراك أن الانجراف نحو هذه الأيديولوجية لا يتطلب بالضرورة المشاركة بأعمال العنف، أو حتى تأييده. ولا أحد يتحول إلى إرهابي بين ليلة وضحاها. بل إن التطرف عملية، رحلة تمر بطائفة من المراحل. رحلة تبدأ عادة بتجربة ساذجة ونظام قيم جذابة مبسّطة، لكن تنتهي بتنفيذ عمليات تفجير انتحاري.

في المملكة المتحدة كنا مترددين جدا فيما مضى بإقرار الرابط بين التطرف غير العنيف والتطرف العنيف. وتمسكنا على مدى عقود من الزمن بالتمييز الزائف بين الاثنين؛ وتسامحنا – بل واحتفينا باسم التعددية الثقافية – بأفكار وتصرفات ومؤسسات شجعت انعزال الهوية والتعصب تجاه الاختلاف بالرأي. والآن، لدى تفكيرنا بموقفنا سابقا، نرى أننا كنا متسامحين أكثر من اللازم تجاه التعصب. كنا قلقين جدا بشأن التسبب بجرح المشاعر بدل الدفاع عن ما هو صواب ومواجهة دعاة التطرف والمتطرفين الذين يروجون لرسائلهم الداعية للكراهية والفرقة.

لكن ليس بعد الآن. فقد غيرنا نهجنا تغييرا جذريا. فقد نشرنا قبل بضعة أيام استراتيجية شاملة لمكافحة التطرف قائمة على أربعة مسارات: مواجهة أيديولوجية التطرف؛ وتنمية التلاحم الاجتماعي؛ ومساندة أصوات المعتدلين؛ وعرقلة جهود المتطرفين أينما كانوا يسعون لممارسة نشاطهم – من مدارسنا ومساجدنا وحتى جامعاتنا وسجوننا، وكذلك في الجمعيات الخيرية.

لهزيمة التطرف علينا مكافحة كافة النقاط بكافة المراحل.

وقد أسسنا وحدة لتحليل التطرف في وزارة الداخلية البريطانية لمعرفة التصرفات والأنشطة التي تتطلب التدخل بشأنها، ونعمل على مراجعة سوء استغلال الشريعة في أوساط المسلمين في بريطانيا، ونواجه ونزيل المواد الخطيرة من الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، ونساند أصوات المعتدلين لتشجيع الجدليات المقابلة للتطرف.

وبدأنا التضييق على إدارات مدارسنا في أعقاب قضية “حصان طروادة” المثيرة للقلق بمدينة بيرمنغهام. وسوف نعمد إلى إرسال مفتشين للمدارس وفرض واجبات جديدة على من يديرون جامعاتنا وكلياتنا وسجوننا لمنع التطرف، إلى جانب منع سوء استغلال الجمعيات الخيرية.

وسوف نطرح في البرلمان قريبا مشروع قانون جديد لحظر أكثر المنظمات المتطرفة خطورة، وإغلاق مقرات تُستخدم لأغراض المتطرفين، وفرض قيود على من يمثلون تهديدا لنا من خلال نشاطهم المتطرف.

وربما الأهم من كل ذلك، سوف نجادل أنا وزملائي بالحكومة، كسياسيين، في كل فرصة تسنح لنا بأن من الممكن أن تكون مسلما صالحا ومواطنا بريطانيا صالحا – وهو ما يبرهنه ملايين المسلمين البريطانيين يوميا. وأفضل دفاع، باعتقادنا، ضد التطرف هو فخر المسلمين البريطانيين بدينهم وفخرهم بجنسيتهم.

هذه معركة أفكار؛ معركة استمالة قلوب وعقول الشباب المسلمين في أنحاء العالم. وعلينا جميعا مساندة المسلمين وحكوماتهم لاستعادة زمام دينهم من المتطرفين الذين اخطفوه وحرفوه لتحقيق أغراضهم اللاأخلاقية.

لكن إن أردنا ضمان ألا يتعرض الجيل القادم للتطرف، علينا جميعا ممارسة البحث في الذات التي مررنا بها نحن للتو في المملكة المتحدة، عملية سؤال أنفسنا ما إذا كانت سياساتنا التي نريد بها خيرا قد أدت ربما عن غير قصد لحضانة ورعاية نمو وحش علينا قتاله. وحينما يكون الجواب “نعم”، علينا ألا نحجم تلك الحقيقة. ليس باستطاعتنا تغيير الماضي، لكن يمكننا التحرك سريعا لحماية المستقبل. أي بعبارة أخرى: علينا ألا نتسامح بشأن نتائج تسامحنا فيما مضى تجاه التعصب.

لكن قبل أن يهرع أصدقائي بصحيفة الغارديان لتفسير كلماتي على أنها دعوة لإنهاء حرية التعبير عن الرأي، عليّ أن أعرض هذا التوضيح الهام: تقبّل الاختلاف من الأدوات الهامة اللازمة لهزيمة التطرف؛ ومن الضروري ألا نسمح لأنفسنا، في حماسنا لمواجهة التطرف، بالخلط بين عدم التسامح تجاه التعصب والتعصب تجاه الاختلاف بالرأي.

ففي كل مجتمع ناجح مستقر، لا بد من وجود مساحة عامة يُسمح فيها بالتعبير عن الاختلافات – الاختلافات بين الأديان والسياسات والأعراف الاجتماعية – بشكل سلمي دون خشية التعرض للملاحقة القضائية؛ لكن – وهنا تكمن الصعوبة – مع الحرص على الإقرار دائما بحق الآخرين بأن تُحترَم آراؤهم وقيمهم ومعتقداتهم المختلفة.

ويمكنني الذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك وأقول بأن في أي مجتمع متسامح يعتبر تعليم التسامح وفهم الأديان المختلفة، أو حتى فهم تفسيرات معتدلة مختلفة لنفس الدين، جزءا ضروريا من جهود حرمان التطرف من البيئة التي ينمو بها. ذلك لأن بديل الانفتاح والتفاهم هو دفع من يؤمنون بمعتقدات وآراء مختلفة لممارسة نشاطهم في الخفاء – في أحضان المتطرفين الذين نسعى لهزيمتهم.

بالطبع علينا احترام الثقافات والتقاليد والتواريخ على اختلافها. لكن علينا كذلك أن نكون واضحين بأن عدم توفير مساحة للاختلاف – أو حتى معارضة الرأي – يمكن أن تهيئ أرضية خصبة سرعان ما تمتد فيها جذور التطرف وقرينه الإرهاب.

وبالتالي ليس هناك نهج واحد يُتبع، ولا يوجد إجراء واحد يمكن تطبيقه في كافة الظروف لمواجهة التطرف في كل بلد. بل على كل منا اتخاذ إجراء مختلف لمواجهة مشاكل مختلفة محددة.

لكن يمكننا، بل يجب علينا، العمل معا، وتبادل الخبرات بشأن الإجراءات التي تحقق النجاح وتلك التي لا تنفع. ومثلما أننا اتبعنا نهجا شموليا في تشكيل أوسع تحالف من الدول لاتخاذ إجراء عسكري ضد داعش، فإننا بحاجة لنهج شمولي لهزيمة التطرف بكافة أشكاله.

من جانبنا، تلتزم المملكة المتحدة بالعمل مع كافة الشركاء والحلفاء الدوليين – مع إدراك الخطر المحدد الذي يواجهه أصدقاؤنا هنا في هذه المنطقة. وسوف نبيّن التزامنا تجاه أمننا المشترك من خلال “نهج شامل”. ليس فقط من خلال تواجدنا العسكري المتنامي في المنطقة، بل أيضا من خلال تعاوننا الأوثق بشأن أمن الإنترنت ومكافحة الإرهاب – وتعاوننا المتنامي مع شركائنا في المنطقة حول مكافحة الخطر الأيديولوجي للتطرف أيضا. وإلى جانب تلك الجهود، سوف نساند شركاءنا بينما يعملون على إعداد آلياتهم المميزة الخاصة بهم لإتاحة التعبير عن الاختلاف بشكل مناسب.

سوف نبيّن معا، كشركاء وكحلفاء في تحالفنا، بأننا أقوى من داعش. لكن الأهم من ذلك هو أن نتمكن لاحقا من بيان أن قيمنا أقوى من قيم المتطرفين. إن تقبلنا للاختلافات بيننا ليس ضعفا، بل إنه قوة هي الأعظم.

مزيد من المعلومات

  • تابع وزير الخارجية فيليب هاموند عبر تويتر @PHammondMP

  • تابعنا باللغة العربية عبر تويتر @FCOArabic

  • تابعنا باللغة العربية عبر فيسبوك

Media enquiries

For journalists

البريد الإلكتروني newsdesk@fco.gov.uk

تاريخ النشر 31 October 2015