خطاب

كلمة وزير الخارجية في حوار المنامة تناولت سياسة بريطانيا في الخليج

بوريس جونسون: أي أزمة تقع في الخليج هي أزمة لبريطانيا، وأن أمنكم هو أمننا، ومصالحكم العسكرية والاقتصادية والسياسية مرتبطة بمصالحنا.

Number10

يشرفني جدا أن أوجه كلمة اليوم هنا في حوار المنامة في هذه الذكرى المئوية الثانية للصداقة بين بريطانيا والبحرين.

أتيت للتو من لقاء مع جلالة الملك حمد أشدنا خلاله بعمق الصداقة بيننا التي لم تنقطع أواصرها أبدا، والتي بدأها كابتن ويليام بروس في سنة 1816 الذي حمل لقب المقيم البريطاني في الخليج. وما بين ملاحقته للمتاجرين بالعبيد ومطاردته للقراصنة، اكتشف بأن حليب الأبقار المحلية يعالج مرض الجدري. حيث قال – “حقيقة، ليس لديّ أي شك. فقد سألت نحو 40 أو 50 شخصا” وهو ما أراه بحثا طبيا حقيقيا.

ربما هذا الحليب السحري قد اجتذب البريطانيين الذين أتوا إلى هذه المنطقة بأعداد متنامية حتى سنة 1861، حين وقعت بريطانيا والبحرين “معاهدة الهدنة الدائمة للسلام والصداقة”، وهذه العلاقات تطورت عبر حربين عالميتين مدعومة بشكليات الصداقة والولاء حتى عام 1968، وحينها حدث خلل ما… ليس هنا، ليس في الخليج، بل في لندن.

وبالتالي أود مساء اليوم أن نعود بأنظارنا من حفل العشاء الرائع هذا إلى مشهد أقل أبهة، إلى بريطانيا في عام 1968، بلد كان في قبضة شتاء قارص وديون هائلة لدرجة أننا كنا – كما قال هارولد ويلسون – تحت رحمة العفاريت الممسوخين في زيوريخ (وأعتذر لأي عفاريت ممسوخين عن هذه اللغة غير اللائقة). كانت بريطانيا تغطيها ثلوج كثيفة لدرجة لم يعد باستطاعة الأطفال الذهاب إلى مدارسهم، وكانت فرقة الخنافس على وشك تفرّق أعضائها، والثقة بالنفس هبطت كهبوط درجات الحرارة، وأود أن آخذكم إلى قاعة اجتماع مجلس الوزراء حيث كان شخصيتان قويان يتجادلان بشأن الاتجاه – التوجه برمته – الذي تتخذه البلاد.

على أحد الجانبين كان روي جنكينز، وزير الخزانة المتحضر الذي كان يتوق إلى حمل بريطانيا تجاه ما كان يُسمى حينذاك بالسوق الأوروبية المشتركة، حتى بعد أن كان “أصدقاؤنا” قد رفضوا بالفعل انضمام بريطانيا مرتين، وعلى الجانب الآخر كان وزير الخارجية الرائع جورج براون… استمر الجدال بينهما في مجلس الوزراء طوال 7 اجتماعات متعاقبة استمرت 36 ساعة، يفصلها أحيانا التوقف لتناول وجبة سريعة. وما سبب الجدل بينهما؟ كان بشأن دور بريطانيا في الخليج وكل ما هو شرق منطقة السويس؛ وما إذا كان لم يعد باستطاعة بريطانيا تحمل تكاليف ذلك. قال روي جنكينز بأن الإنفاق في الخارج كان قد وصل إلى 381 مليون جنيه استرليني سنويا (أي أقل ما ننفقه اليوم على المساعدات الخارجية لبعض الدول) وأن لا بد من خفض ذلك الإنفاق.

لكن رد جورج براون كان قويا. أجل، أوروبا مهمة، لكن كذلك هو الحال بالنسبة لسائر أنحاء العالم. وقال نقطة جوهرية هي أن الشراكات العسكرية والسياسية تسير يدا بيد إلى جانب التجارة والنمو الاقتصادي. استمر هذا النقاش وطال بنبرات يصفها المعاصرون اليوم بأنها “عدائية” و”عصبية” و”غاضبة” إلى أن اختتم رئيس الوزراء، هارولد ويلسون، الجدل لصالح الانهزاميين والانسحابيين.

جورج براون خسر الجدل. فأنزلت الأعلام، وعادت القوات البريطانية إلى الوطن – من بورنيو ومن المحيط الهندي ومن سنغافورة ومن الخليج أيضا، وخسرنا نحن في المملكة المتحدة تركيزنا على هذا الجزء من العالم.

وبالتالي أقر بأن سياسة الانسحاب من شرق السويس هذه كانت خطأ. وطالما كان باستطاعتنا – ونحن باستطاعتنا الكثير – فإننا نريد عكس تلك السياسة على الأقل بالاعتراف بالروابط التاريخية القوية بين بريطانيا والخليج، والأهم من ذلك، التأكيد على زيادة أهمية ومواءمة تلك العلاقات في عالمنا المتقلب اليوم والذي يسوده عدم اليقين.

نحن هنا اليوم في حوار المنامة – وإنني أتبع خطى سلسلة من المبعوثين المتميزين، بمن فيهم أمير ويلز ورئيسة الوزراء، في تأكيد نقطة استراتيجية تمثلت في دعوة مجلس التعاون الخليجي لرئيسة وزرائنا، تيريزا ماي، لحضور القمة الخليجية؛ وتأكيد أن أي أزمة تقع في الخليج تعتبر أزمة لبريطانيا – من اليوم الأول لوقوعها؛ وأن أمنكم هو أمننا، وأننا ندرك حكمة من دعوا إلى تغيير في سياسة تواجدنا في شرق السويس، وأن مصالحكم العسكرية والاقتصادية والسياسية مرتبطة بمصالحنا. بالطبع لا أعتقد بأن باستطاعتنا رفع العلم البريطاني فوق كل موقع في العالم حتى وإن كان الجميع يريدون منا أن نفعل ذلك – وهذا ليس هو الحال – لكننا نعيد فتح قاعدة إتش إم إس الجفير، وهي قاعدة إسناد بحرية هنا في البحرين، والتي قال جلالة الملك سلمان بأنه يتذكرها منذ أيام طفولته قبل انسحابنا من الخليج. إننا نجدد روابطنا مع أصدقاء قدامى: حيث أركان الدفاع البريطانية سيكون مقرها في دبي، وقاعدة المنهد الجوية تعتبر مركزا لسلاح الجو الملكي البريطاني. وفي عمان، الجيش البريطاني بصدد تأسيس مركز إقليمي لتدريب القوات البرية – وهو واحد من أربعة مراكز في العالم – وبالتالي سيكون بمثابة تواجد دائم للجيش البريطاني في السلطنة.

كما نتعاون تعاونا وثيقا مع أصدقائنا في السعودية وغيرها بمجال مكافحة الإرهاب عن طريق تبادل التقنيات العسكرية في مشهد مازال يعتبر خطيرا جدا على الصعيد الجغرافي-السياسي، حيث يمكن حضانة بذور الإرهاب، وحضانتها ليس في الشرق الأوسط وحسب، بل أيضا في بلدنا نحن كذلك.

ومن الصواب تماما أن نتبادل ونتعاون لأن مصالحنا ومشاكلنا مشتركة.

لهذا السبب هناك 1,500 من الأفراد العسكريين البريطانيين في المنطقة إلى جانب 7 سفن حربية، وذلك تواجد أكبر مما هو لأي بلد غربي آخر باستثناء الولايات المتحدة. وسوف ننفق 3 مليارات جنيه على التزاماتنا العسكرية في الخليج على مدى 10 سنوات القادمة، وذلك يوطّد شراكة أقوى مما هي مع أي مجموعة أخرى من دول العالم خارج حلف الناتو.

ونقاتل إلى جانب حلفائنا في الخليج لهزيمة داعش في العراق وسورية، ونحقق النصر في جهودنا هذه. وسلاح الجو البريطاني هو ثاني أكبر قوة مساهمة في الضربات الجوية بعد الأمريكيين. وساعدنا، من خلال العمل معا، في تقليل المساحة التي يشغلها ذلك التنظيم الإرهابي.

ونحن نكشف باستمرار مدى غرابة زعمهم بأنهم خلافة. وبالطبع جميعنا يعلم مدى هول التحديات التي نواجهها في هذه المنطقة. ومساعدة العراق – لدى تحقيق الاستقرار في النهاية – لإعادة إعماره وتوحيده. وجميعنا يعلم كذلك، كما قالت رئيسة الوزراء قبل بضعة أيام، أن علينا أن نكون واعين بوضوح ويقظين بشأن دور إيران. أجل، أعتقد أن كان من المجدي قضاء 12 سنة من المفاوضات بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة، الاتفاق النووي مع إيران. أعتقد ذلك حقا. وكان ذلك إنجازا حقيقيا من إنجازات الدبلوماسية ساعد في جعل العالم أكثر أمانا. وأعتقد أن علينا البناء على أسس هذا الاتفاق ومحاولة تطوير علاقات أفضل مع طهران. لكن ذلك يتحقق فقط في حال التزمت إيران بنفس القواعد، ومارست نفوذها عبر الدبلوماسية والحوار.

وبالتالي بالنظر إلى ما يحدث في اليمن – حيث يبدو واضحا أن لإيران يد فيه – فإنني بالطبع أتفهم القلق السعودي بشأن الأمن والأهمية القصوى لحماية السعودية من صواريخ الحوثيين.

لكن لا بد أن أتحدث كذلك عن قلقي البالغ – والذي أنا على ثقة بأنه مشترك بين الحضور هنا – بشأن معاناة الشعب اليمني، وأعتقد أننا جميعا نتفق على هذه النقطة الأساسية: أن القوة وحدها لن تحقق استقرار اليمن، ولهذا السبب نعمل في لندن بكل جهدنا مع كافة شركائنا للدفع قدما بهذه العملية السياسية، ويمكن قول نفس الشيء- عن الحاجة فوق كل اعتبار للتوصل لحل سياسي – بشأن كل صراع آخر في هذه المنطقة.

ربما يكون صحيحا أن بعد شهور من القصف البربري من بشار الأسد ورعاته الروس والإيرانيين بأنهم باتوا على وشك الاستيلاء على آخر منطقة تسيطر عليها المعارضة في حلب – ربما في غضون أيام، لا نعلم متى. لكن إن حدث ذلك، ومتى ما حدث، فإنه سيكون بكل تأكيد نصرا يتحول إلى رماد. نصر بيروسي ينطوي على خسائر فادحة. علينا ألا ننسى أن ثلثي سورية حاليا خارج سيطرة الأسد، وأنه مازال يحاصر 30 منطقة أخرى يعيش فيها 571,000 شخص يعانون أمرّ أشكال العذاب. بكل تأكيد لن يتحقق سلام دائم في سورية إن كان ذلك السلام يعاد فرضه من قبل رجل ولّد كل هذه الكراهية في أوساط ملايين من شعبه. ولهذا السبب لا بد من التوصل لحل سياسي يمكن من خلاله للشعب السوري تولّي زمام الأمور. بالطبع يمكننا جميعا العمل معا لمحاولة إحلال السلام والاستقرار. لكن الأمر يرجع بالنهاية إلى شعوب هذه البلدان لإيجاد القيادة والحلول بين أنفسهم، والتواصل مع كافة فئات مجتمعاتهم، وتوحيد خطاباتهم الوطنية المشجعة. وأفضل سبيل لنا جميعا للمساعدة، في كل المنطقة، هو مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية لتلبية مطالب هؤلاء الشباب الرائعين والنمو السكاني: ما يحتاجونه هو فرصة أن يكون لديهم مستقبل اقتصادي ممتع. إنهم يريدون فرص العمل. وهنا أعتقد أن بإمكاننا عمل الكثير بالتعاون مع بعضنا.

أعتقد آن الأوان لنا أن ندرك حكمة وزراء “شرق السويس” هؤلاء الذين كانوا يتجادلون عبر الطاولة في 1968- لبناء شراكات وعلاقات تحقق تطلعات كافة مواطنينا، سواء في المملكة المتحدة أو في الخليج. والآن هو الوقت لأن ننتهز في المملكة المتحدة الفرص التي يتيحها خروجنا من الاتحاد الأوروبي.

واسمحوا لي أن أؤكد، كما قلت للكثيرين من المسؤولين الخليجيين الذين أتوا للقائي، بأن بينما أننا نسعى للخروج من اتفاقيات الاتحاد الأوروبي، فإننا لن نترك أوروبا. فهذا مستحيل جغرافيا وثقافيا وفعليا وعقلانيا وأخلاقيا. لا يمكن نزع بريطانيا من القارة الأوروبية إلا إن تم جرها إلى وسط المحيط الأطلسي وقوقعتها، وهذا لن يحدث.

سوف نكون جزءا من أوروبا، وجزءا من تركيبتها الأمنية، وسنكون هناك للعمل لأجل أمن واستقرار أوروبا. وعلى فكرة، سوف نظل قادرين على الدفاع عن أصدقائنا وشركائنا في الخليج. ولكن الآن، ولأول مرة منذ سبعينيات القرن الماضي، سنكون قادرين كذلك على الدخول في اتفاقيات تجارية، والبناء على العلاقات التجارية الهائلة القائمة حاليا بين المملكة المتحدة والخليج. ربما تذكرون بأنني كنت عمدة مدينة لندن. فانظروا لأثر الخليج على لندن. مبنى ذي شارد – الذي افتتحته بنفسي، مرتين على الأقل… والذي يمتلكه القطريون مثلما يمتلكون القرية الأولمبية ومتجر هارودز وتشيلسي باراكس.

والإمارات تملك مركز إكسيل للمعارض، ومصفوفة لندن لتوليد الطاقة من الرياح- والكثير من الطاقة التي نستهلكها تأتي من ذلك الاستثمار بالطاقة الصديقة للبيئة في مصب نهر التيمز. وبفضل دول الخليج لدينا هذه البنية التحتية الحيوية لوسائل النقل، مثل ميناء شركة موانئ دبي العالمية. وبالطبع هناك أيضا تلفريك الإمارات، وهو وسيلة مواصلات لا غنى عنها، وأنا أشكركم جدا على ذلك. والقليل فقط يعلم أن الكويت تملك مبنى بلدية لندن. لم أكن أعلم ذلك قبل الآن، وقد أذهلني ذلك. ولا أعلم إن كان أصدقاؤنا الكويتيون يرغبون بإعلان مسؤوليتهم عن كافة سياسات بلدية لندن، بما في ذلك الدروب الخاصة للدراجات الهوائية في شوارعنا، والتي نتوسع الآن فيها… ولدينا في لندن 20,000 من الطلاب الخليجيين، ونحن نرحب بهم كل ترحيب. وبالطبع الكرة في ملعبنا بطريقتنا البريطانية الخاصة – حيث يقوم البريطانيون بنحو 1.7 مليون زيارة إلى الخليج كل سنة.

ونتوقع نموا هائلا ومتزايدا بعدد سيارات جاغوار ولاند روفر. ومتجر ماركس وسبنسر منتشر هنا بقوة. كما قيل لي للتو بأننا وقعنا صفقة كبيرة لبيع محركات رولز رويس لشركة طيران الخليج. وبالنسبة لمحبي لعبة الغولف، نحن صدّرنا حقا رمالا إلى السعودية. ذلك صحيح. وكل ذلك يرفع قيمة سوق الصادرات البريطانية إلى الخليج لتصل إلى 20 مليار جنيه استرليني سنويا، ومبيعاتنا لمنطقة الخليج تفوق المبيعات لأي سوق أخرى خارج الاتحاد الأوروبي بعد الولايات المتحدة.

لقد مر نحو 50 سنة منذ ذلك الخلاف في مجلس الوزراء البريطاني، والذي انتهى باتخاذ القرار الخطأ. وآمل أن نستنتج مساء اليوم بأن ذلك النقاش قد انتهى بانتصار جورج براون في تبريره، على الأقل من حيث أن بريطانيا قد عادت إلى شرق السويس وليس كأكبر قوة عسكرية على سطح الأرض، رغم أننا ندفع نصيبنا في ذلك ولدينا بكل تأكيد قدرات هائلة: ليس فقط كضامنين للسلام- رغم دورنا الكبير في ذلك- بل كبلد ناشط في المنطقة وملتزم تماما تجاهها. وأود تأكيد أن الأمر لا يتعلق بالسياسة فقط، ولا بالتجارة فقط، ولا بالدعم الاستراتيجي فقط. بل يتعلق بالبناء على الصداقات القديمة وتوطيدها. لقد كانت بريطانيا جزءا من تاريخكم في المئتي سنة الماضية، وستكون معكم في القرون القادمة.

IISS Manama Dialogue 2016: Keynote Speech by the Rt Hon Boris Johnson MP

تاريخ النشر 9 December 2016