بيان شفوي للبرلمان

تصريح رئيس الوزراء حول المجلس الأوروبي والتصدي للتطرف

اسمحوا لي، السيد الرئيس، الإدلاء بتصريح حول اجتماع المجلس الأوروبي نهاية الأسبوع، وحول الإجراءات التي نتخذها لإلحاق الهزيمة بالتطرف والحفاظ على سلامة بلادنا...

تم نشره بموجب 2010 to 2015 Conservative and Liberal Democrat coalition government
""

لقد كرّس المجلس معظم وقته للتركيز على القضايا الدولية الكبيرة التي شغلتنا جميعاً هذا الصيف - ألا وهي الأوضاع في أوكرانيا وغزة، وخطر داعش المتعاظم في العراق وسورية. وأود هنا مناقشة كل من هذه القضايا.

أوكرانيا

إن وجود جنود روس على التراب الأوكراني غير مقبول ولا مبرر له على الإطلاق. ولقد التقيت الرئيس بوروشنكو قبل انعقاد المجلس يوم السبت، ووُجهت إليه، وبدعم منا، دعوة لإلقاء كلمة أمام المجلس. ويعود السبب الحقيقي لهذا الصراع إلى رفض روسيا الاعتراف باستقلال أوكرانيا وسيادتها على أراضيها. ولا بد للقرارات الخاصة بعلاقات أوكرانيا السياسية والاقتصادية أن تصدر عن شعب أوكرانيا وحده وليس عن أحد سواه، غير أن روسيا تحاول كما يظهر إرغام أوكرانيا بقوة السلاح على التخلي عن خياراتها الديموقراطية. وقد شهدنا في الأسبوعين الأخيرين تصعيداً مثيرا في دعم روسيا العسكري للانفصاليين في شرق أوكرانيا، بما في ذلك مشاركة قوات روسية في القتال على الأرض. ونعرف من التاريخ الأوروبي مدى الخطورة الشديدة لتعرض دولة ما للتهديد والتقويض بهذه الطريقة، وعليه فقد اتفق المجلس الأوروبي على وجوب تصعيد التكاليف الاقتصادية التي فرض على روسيا تحملها حتى الآن إذا استمرت موسكو في تلك التصرفات التي لا يمكن تبريرها. وقد كان المجلس واضحاً بتأكيده اتخاذ إجراءات جديدة بشأن فرض عقوبات آخرى في غضون أسبوع…

إسرائيل وغزة

لقد شعرنا جميعا بالأسى جراء العنف هناك وما تسبّب به من معاناة فظيعة للمدنيين، وخاصة الأطفال الأبرياء. ولم تألُ الحكومة جهداً مع شركائنا الدوليين للمساعدة في تحقيق وقف نار مستدام، ونرحب ترحيبا حاراً بالاتفاق الذي جرى التوصل إليه في القاهرة. لقد كان فقدان الأرواح هذا الصيف مروعا بحق، وغير مقبول على الإطلاق سقوط هذا العدد من المدنيين - وقيمة حياة طفل فلسطيني تعادل حياة أي طفل في بلداننا نحن - بيْدَ أن دعم تسوية دائمة تشمل قيام دولة فلسطينية لا يعني إطلاقا أن علينا دعم الأساليب الإرهابية لحماس التي أمطرت إسرائيل بالصواريخ وواصلت رفض عُروض وقف إطلاق النار.

وسوف نواصل دعم إسرائيل وحقَّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها، غير أن هذا لا يعني أننا نؤيد كل قرار تتخذه الحكومة الإسرائيلية. فما أقدمت عليه مؤخراً من مصادرة لحوالي 4,000 دونم من الأرض بالقرب من بيت لحم في الضفة الغربية هو إجراء مستنكر تماما. فالمستوطنات غير شرعية بموجب القانون الدولي ولا تفيد أبدا في تهيئة نوع عملية السلام التي نسعى إليها جميعاً، وإننا نهيب بالحكومة الإسرائيلية التراجع عن هذا القرار.

وبينما أنني أتفهّم المشاعر الجياشة الكثيرة التي تحيط بهذا الصراع المأساوي، تقلقني جدا التقارير المتزايدة حول معاداة الساميّة في شوارعنا في بريطانيا. وأود أن أكون واضحاً هنا: علينا ألا نتسامح إزاء هذا الأمر في بلدنا. ولا يمكن أبداً قبول أي عذر لمعاداة السامية، كما يجب عدم السماح لأي خلاف في السياسة أو المواقف بتبرير العنصرية أو التعصب القومي أو التطرف بأي شكل.

الإرهاب

فيما يتعلق بالخطر الإرهابي الذي نواجهه في المملكة المتحدة، فقد صُدمنا جميعنا وتقززت نفوسنا جراء الوحشية التي شوهدت في العراق هذا الصيف: ذبح واسع النطاق للمسلمين على أيدي إخوانهم المسلمين؛ واضطهاد آثم للأقليات الدينية كالمسيحيين واليزيديين؛ واستعباد النساء واغتصابهن؛ ثم جاء كما نعلم بالطبع قطع رأس الصحفي الأمريكي جيمس فولي، مصحوباً بصوت ما يبدو وأنه إرهابي بريطاني مسجّل على الفيديو.

كان ما خرج به المجلس الأوروبي من خلاصة شديد الوضوح: “يعتقد المجلس الأوروبي أن إقامة خلافة إسلامية في العراق وسورية، وتصدير الإرهاب المتطرف الذي يستند إليه، يشكل خطراً مباشراً على” كل دولة أوروبية. وفي يوم الجمعة رفع المركز المشترك المستقل لتحليل الإرهاب مستوى الخطر بالمملكة المتحدة من درجة “كبير” إلى درجة “شديد”. ونعتقد حاليا بأن ما لا يقل عن 500 شخص قد سافروا من بريطانيا للقتال في المنطقة، إضافة إلى 700 من فرنسا، و400 من ألمانيا، ومئات آخرين من بلدان مثل أمريكا وكندا والنمسا والدنمارك واسبانيا والسويد وبلجيكا وهولندا وأستراليا.

وقد اتفق المجلس على تنسيق الإجراءات المتعلقة بملاحقة من يسافرون للقتال في سورية والعراق، والتأكد من أن جميع الدول الأوروبية تتخذ الخطوات اللازمة للتصدي لمشكلة اعتناق التطرف. ويجب ألا يغيب عن بالنا السبب الأصلي لهذا الخطر: إنها العقيدة المسمَّمة للتطرف الإسلامي التي تؤمن باستخدام أفظع اشكال الإرهاب لإرغام الناس على قبول وجهة نظر محرّفة للعالم، والعيش في دولة من العصور الوسطى. ولا بد لنا من تأكيد أنه لا علاقة لهذه الأمور بالإسلام، والذي هو دين يؤمن به ويعتنقه أكثر من مليار شخص، والذي يلهم الناس يوميا بما لا يعد ولا يُحصى من أفعال الخير.

لمواجهة تهديد التطرف الإسلامي، علينا أن نتحلى بالحزم والذكاء والصبر ونتبع نهجا شاملا لهزيمة التهديد الإرهابي من مصدره. علينا استغلال كافة الموارد المتوفرة لنا - من مساعدات ودبلوماسية وإمكانات عسكرية - ونحتاج لرد أمني حازم، سواء كان ذلك إجراء عسكريا لملاحقة الإرهابيين، أو تعاونا دوليا بشأن الاستخبارات، أو اتخاذ إجراء صارمة ضد الإرهابيين في بريطانيا. وتزود بريطانيا بالفعل القوات الكردية بالمعدات مباشرة. ونحن ندعم الضربات العسكرية الجوية التي تنفذها الولايات المتحدة ضد إرهابيي داعش في العراق، كما نجحنا في إصدار قرار عن مجلس الأمن لمنع تدفق الأموال لتمويل داعش، وفرض عقوبات ضد من يسعون لتجنيد أفراد لصفوفهم، وحث الدول على بذل كل ما في استطاعتها لمنع المقاتلين الأجانب من الانضمام لما يدعو إليه المتطرفون.

لكن إلى جانب الرد الأمني الصارم، لابد أيضا من وجود رد سياسي مناسب. فنحن نعلم أن المنظمات الإرهابية تنشط حيثما كان هناك عدم استقرار سياسي أو مؤسسات فاشلة، وبالتالي علينا دعم لبنات بناء مجتمعات حرة ومنفتحة. في سورية ذلك يعني عملية انتقال سياسية ووضع نهاية لوحشية الأسد التي أتاحت نمو داعش. وفي العراق لابد وأن يبدأ ذلك بتشكيل حكومة جديدة ممثلة للجميع حقا قادرة على توحيد كافة العراقيين - السنة والشيعة والأكراد والمسيحيين وغيرهم - بمواجهة تهديد مشترك.

وسوف تكون قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في ويلز في الأسبوع الحالي فرصة لنا لمراجعة فعالية الاستجابة الدولية حتى الآن، وبحث ما علينا أن نفعله لمساعدة المنطقة بالتصدي لتهديد داعش. وستواصل بريطانيا النظر بأي دور آخر نتخذه للحفاظ على مصلحتنا الوطنية، بما في ذلك أي تدابير سياسية أو مساعدات إنسانية أو حتى، بكل تأكيد، إجراءات عسكرية قد نتخذها.

الإرهاب محليا

اتخذنا بالفعل مجموعة واسعة من الإجراءات، بما في ذلك منع المشتبه بهم من السفر للمنطقة عن طريق مصادرة جوازات سفرهم، ومنع الأجانب من معاودة دخول المملكة المتحدة، وإصدار تشريع كي نتمكن من ملاحقة المنخرطين بكافة النشاطات الإرهابية، حتى ولو كانت بالخارج، وعجلنا في تشريعات طارئة مثل حماية حقنا باستخدام بيانات الاتصالات. كما عززنا استجابتنا العملية، حيث ارتفع عدد الاعتقالات ذات الصلة بسورية إلى خمسة أضعاف وألغينا 28,000 مادة متطرفة من الإنترنت في العام الحالي وحده، وهذا يشمل 46 فيديو ذو صلة بإرهابيي داعش…

وعلينا تعزيز قوتنا في مجالين أساسيين لملء ثغرات محددة في قدراتنا: منع المشتبه بهم من السفر والتعامل بحزم مع من يشكلون خطرا. وسأتناول كليهما باختصار.

أولا، فيما يتعلق بمنع الأفراد من السفر أصلا، فإن جوازات السفر ليست حقا تلقائيا. ووزيرة الداخلية لديها بالفعل صلاحية إصدار جوازات السفر أو إلغائها او رفض إصدارها بموجب الحق الملكي إن كان هناك ما يستدعي الاعتقاد بأن الأفراد المعنيين يخططون للمشاركة في نشاط ذو صلة بالإرهاب. لكن حين تشك الشرطة بمسافر ما عند الحدود ليست لديها حاليا صلاحية تقديم طلب تطبيق الحق الملكي، وبالتالي لديها صلاحيات محدود بالتوقيف والتفتيش. ولملء هذه الثغرة سوف نستحدث تشريعات محددة وموجّهة تمنح الشرطة سلطة مؤقتة لحجز جواز السفر عند الحدود، وبإمكانهم في هذه الأثناء إجراء تحقيق بشأن الشخص المعني…

وإلى جانب منع الأفراد من السفر، علينا عدم السماح بدخول المقاتلين الأجانب الذين يشكلون تهديدا على المملكة المتحدة. ولدينا بالفعل سلطة منع عودتهم: حيث أن باستطاعتنا حرمان من لديهم جنسية مزدوجة من جنسيتهم البريطانية لمنعهم من العودة. كما يمكننا منع دخول مواطنين أجانب على أساس التهديد الذي يشكلوه علينا. ونمنح بموجب قانون الهجرة لعام 2014 سلطات أقوى لسحب جنسية المتجنسين البريطانيين. لكن هذه السلطة لا تنطبق على من تكون جنسيتهم الوحيدة هي البريطانية، والذين لا يمكن جعلهم عديمي الجنسية في حال سحب جنسيتهم…

من المستنكر أن من يعلنون ولاءهم لجهات أخرى يمكنهم العودة إلى المملكة المتحدة ليشكلوا تهديدا على أمننا القومي. وإننا واضحون من حيث المبدأ بأننا بحاجة لسلطة موجهة يستعان بها حسب التقدير تتيح لنا إبعاد مواطنين بريطانيين عن المملكة المتحدة… وعلى شركات الطيران الامتثال للترتيبات بموجب قائمتنا بشأن عدم نقل مسافرين محددين، وإعطائنا معلومات حول قوائم المسافرين على متنها، والامتثال لمتطلباتنا بشأن التدقيق الأمني. وإن لم تفعل ذلك فسوف لن تتمكن طائراتها من الهبوط في بريطانيا.

ثانيا، إننا بحاجة لسلطات أقوى لإدارة الخطر الذي يشكله متطرفون مشتبه بهم متواجدين داخل المملكة المتحدة. وباستطاعة وزيرة الداخلية بالفعل تطبيق إجراءات تتعلق بمنع الإرهاب والتحقيق به لأسباب أمنية، وهذا يشمل متطلبات الإقامة الجبرية ليلا وفرض قيود على استخدام الإنترنت. لكن أجهزة الاستخبارات والشرطة بحاجة لسلطات أقوى لفرض المزيد من القيود… وبالتالي فسوف نستحدث سلطات أخرى تضاف إلى الإجراءات الحالية المعمول بها بشأن منع الإرهاب والتحقيق به، وهي تشمل فرض قيود أخرى بشأن الحركة بموجب تدابير منع الإرهاب والتحقيق به، إما من خلال تعزيز منع الوصول لمناطق محددة أو بالاستعانة بسلطة نقل الشخص المعني لمنطقة أخرى.

إن مواجهة التهديد الإرهابي لا تعني فقط منح السلطات لمواجهته، بل تعني أيضا سبل مكافحتنا للتطرف بكافة أشكاله. لهذا السبب نطبق نهجا جديدا لمعالجة التطرف، والتركيز على كافة أشكال التطرف، وليس فقط التطرف العنيف. وهذا شمل وقف تمويل المنظمات التي تروج للتطرف، ومنع دعاة الكراهية، وضمان تركيز كل ركن من أركان الحكومة - من المدارس والجامعات وحتى السجون - على هزيمة بلاء التطرف. وفي هذا السياق، نجعل برنامج معالجة التطرف، برنامج “القناة”، إلزاميا بموجب القانون. وكل من يخضع لتدابيرنا المعززة بشأن منع الإرهاب والتحقيق به مطلوب منه الانخراط في برنامج منع التطرف.

إننا نفتخر بأننا أمة منفتحة وحرة ومتسامحة، لكن يجب عدم الخلط نهائيا بين التسامح والقبول السلبي بوجود ثقافات تعيش حياة منفصلة عن الآخرين، أو وجود أفراد يتصرفون بطرق تتعارض تماما مع قيمنا. فالالتزام بالقيم البريطانية ليس خيارا، بل إنه واجب على كل من يعيش في جزرنا. وبالتالي سوف ندافع عن قيمنا، وسوف نهزم هذا التطرف في النهاية، وسوف نصون سبل حياتنا لأجيال قادمة.

تاريخ النشر 1 September 2014