خطاب

كلمة رئيسة الوزراء في الجمعية العامة للأمم المتحدة: 26 سبتمبر/أيلول 2018

ألقت رئيسة الوزراء، تيريزا ماي، كلمة المملكة المتحدة في الجمعية العامة للأمم المتحدة 2018.

PM

نيابة عن المملكة المتحدة، أود أن أبدأ كلمتي بالإشادة برئيس متميز للأمم المتحدة، الذي توفي للأسف هذا الصيف.

كوفي أنان كان واحدا من أعظم من شغلوا منصب الأمين العام للأمم المتحدة. دعا بلا كلل أو ملل لإحلال السلام وتحقيق التقدم، وكان مناصرا لحقوق الإنسان وكرامة الإنسان. وسوف يمتد الشعور بأثره في أنحاء العالم لسنوات طويلة قادمة.

خلال حياته، شهد التقدم الهائل الذي أحرزته هيئة الأمم هذه منذ تأسيسها. تقدم استطعنا بفضله خفض عدد من يعيشون في حالة من الفقر المدقع إلى أكثر من النصف خلال القرن الحالي. تقدم انخفض بفضله عدد القتلى في الصراعات إلى أكثر من ثلاثة أرباع خلال ثلاثة عقود فقط. وتقدم يعيش بفضله الملايين من مواطنينا حياتهم لسنوات أطول وهم ينعمون بصحة أفضل. وحيث تتاح لنا فرص في السنوات القادمة بفضل التقدم بمعرفة الإنسان والطب والعلوم والتكنولوجيا.

ومع ذلك، الكثيرون اليوم يقلقهم ما إذا كان ذلك التقدم سوف يستمر. ويساورهم الخوف مما يحمله المستقبل في طياته.

حيث إن نهاية الحرب الباردة لم تؤدِّ كما اعتقد الكثيرون منا إلى سيادة الاقتصادات المنفتحة والديموقراطيات الليبرالية، والتعاون على الساحة العالمية لأجل الصالح العام.

بل ما نواجهه اليوم هو فقدان الثقة في هذه الأنظمة ذاتها التي حققت الكثير. فالإيمان بالأسواق الحرة تحدته الأزمة المالية التي حدثت عام 2008؛ ومخاوف من شعروا بأن العولمة قد خلّفتهم من ورائها؛ والقلق نتيجة وتيرة وحجم التغيير التكنولوجي وما قد يعنيه ذلك بالنسبة لفرص العمل؛ والحركة الجماعية للناس بشكل لم يسبق له مثيل عبر حدود الدول، وما يسببه ذلك من ضغوط.

وبعد التدخلات العسكرية في بداية هذا القرن، يتساءل الناس عن شرعية ومنطق استخدام القوة، وإقحام أنفسنا في أزمات وصراعات لا دخل لنا بها، بينما في نفس الوقت تثير اشمئزازنا أعمال القتل في سورية وفشلنا في وضع نهاية لها.

هذه الشكوك مفهومة تماما. تماما كما نتفهم المطالبة بوجود قيادة. وبالتالي فإن من يؤمنون من بيننا بالمجتمعات الممثلة للجميع، والاقتصادات المنفتحة، من واجبهم الرد والتعلم من دروس الماضي، واتخاذ إجراءات عملية للاستجابة لمخاوف الناس بدل إغوائهم بالأوهام. وتجديد ثقتنا بالقيم والمثاليات التي حققت الكثير ليستفيد منها الكثيرون على مدى سنوات طويلة.

يجب ألا يساورنا أي شك بأن في حال لم تتوفر لدينا الثقة لتعزيز جهودنا، فإن آخرين سيفعلون ذلك. ففي القرن الماضي، سواء مع صعود الفاشية أو انتشار الشيوعية، شاهدنا اليمينيين المتطرفين واليساريين المتطرفين يستغلون مخاوف الناس، ويحرضون على التعصب والعنصرية، ويقضون على اقتصادات ومجتمعات، ويدمرون السلام في الأمم. واليوم نرى مجددا توجهات مقلقة في صعود هذه الحركات في أوروبا وخارجها.

رأينا ما يحدث حين تنحدر دول تجاه الحكم الاستبدادي، وتعمل تدريجيا على سحق حريات وحقوق مواطنيها.

ورأينا ما يحدث حين ينهب الأقلية الحاكمون الفاسدون ثروات وموارد بلدانهم ورأسمالها البشري، وجميعها مهم لأجل تحقيق مستقبل أكثر إشراقا لمواطنيهم.

كما رأينا ما يحدث لدى التواء حب الوطن الطبيعي، الذي يشكل حجر أساس المجتمع السليم، ليصبح في صورة قومية متعصبة عنيفة تستغل الخوف وعدم اليقين للترويج لسياسات الهوية القومية في الوطن، والمواجهة العنيفة في الخارج، بينما تخالف القوانين وتقوض المؤسسات.

ونرى ذلك أيضا حين تنتهك دول مثل روسيا بشكل صارخ الأعراف الدولية - من استيلائها على سيادة أراضٍ وحتى استخدامها برعونة لأسلحة كيميائية في شوارع بريطانيا من قبل عملاء المخابرات الروسية.

علينا أن نُبيّن أن هناك سبيلا أفضل للاستجابة لمخاوف شعوبنا. ذلك السبيل يكمن في التعاون العالمي ما بين دول قوية وتخضع للمساءلة استنادا إلى اقتصادات مفتوحة ومجتمعات تمثل الجميع.

فذلك يضمن أن توفر الدول القوية الروابط التي تجمع ما بين مواطنيها، وتضمن أن تظل السلطة خاضعة لمساءلة من وُجِدت لخدمتهم. وتحتفي بالأسواق الحرة ولديها الثقة في إصلاحها إن كانت في حاجة لتحسين أدائها. وتبرهن على أن تلبية احتياجات مواطنيها في الداخل لا يجب أن يكون بالضرورة على حساب التعاون العالمي والقيم والقواعد والمثاليات التي تعززه.

إن التعاون والتنافس بالطبع ليسا مسألتين حصريتين موازيتين لبعضهما. فالتعاون العالمي الذي يستند إلى مجموعة من القواعد المتعارف عليها هو وحده الكفيل بضمان نزاهة التنافس، وعدم الاستسلام للحماية الجمركية التي تؤدي بكل تأكيد إلى خسارة الوظائف والمواجهة الدولية.

والتعاون العالمي هو وحده القادر على الاستفادة من المصالح الشخصية المشروعة لتحقيق أهداف مشتركة، والتوصل إلى اتفاقيات حول التحديات العالمية كالتغير المناخي، وانتشار التسلح، وزيادة النمو الاقتصادي الذي يشمل الجميع.

إننا نرى هذا التعاون هنا اليوم، في هيئة الأمم المتحدة هذه، كما رأيناه في اجتماع رؤساء حكومات دول الكومنويلث في وقت سابق من السنة الحالية. وباعتباري رئيسة الكومنويلث، أدلي اليوم ببيان واضح نيابة عن رؤساء حكومات الدول الأعضاء في الكومنويلث الثلاثة وخمسين المتساوية بمكانتها والمستقلة. حيث نجدد التزامنا المشترك بالعمل معا ضمن نظام دولي قائم على القواعد لمعالجة التحديات العالمية ورعاية مستقبل أكثر عدلا وأمنا واستدامة وازدهارا. وهذا الالتزام يأخذ بعين الاعتبار المتطلبات الخاصة للدول الأقل تطورا، والاقتصادات الصغيرة أو الضعيفة، ويستفيد منها جميع مواطنينا والعالم بشكل أعمّ.

لكن لا يكفي أن نبرر التعاون. بل إننا بحاجة إلى اتخاذ خطوات ملموسة، في بلداننا وفي مجتمع الأمم، لبيان كيف أن باستطاعة أفكارنا وقيمنا أن تحقق فوائد عملية لجميع شعوبنا في كافة أنحاء العالم.

علينا أن ندرك شرعية مخاوف شعوبنا، والعمل لأجل بناء اقتصاد عالمي يستفيد منه الجميع. وعلينا الاستثمار في الجهود الصبورة لبناء مجتمعات منفتحة يكون لكل من فيها نصيب في مستقبلها. كما علينا العمل لأجل حماية النظام الدولي القائم على القواعد - والدفاع عن قيمنا من خلال حماية من قد يعانون نتيجة انتهاكها.

اسمحوا لي أن أتناول كلا من هذه النقاط على التوالي.

أولا، علينا الرد على من يشعرون بأنهم لا يستفيدون من الاقتصاد العالمي. ومن وتيرة العولمة التي خلفت الكثير من الناس وراءها. وخشية أن يفتقر أبناؤنا وأحفادنا للتعليم والمهارات اللازمة لتأمين فرص العمل لهم مستقبلا. وخطر أن يصبح التغيير التكنولوجي مصدرا لعدم المساواة والانقسام بدل أن يكون أعظم فرصة في التاريخ.

نحن في المملكة المتحدة نعزز الاستثمار في قطاعات المستقبل لأجل توفير فرص العمل - من التكنولوجيا منخفضة الانبعاث الكربوني وحتى الذكاء الصناعي. كما نستثمر في التعليم والمهارات لكي يكون العاملون متأهبين للاستفادة لأقصى حد من الفرص التي أمامهم.

كما نعمل على ضمان أن يحترم الناس القواعد - ذلك لأجل الاحتفاء بالمؤسسات التجارية والابتكارات لما توفره من فرص عمل، وليس الذم بها بسبب مظالم تتعلق بعدم دفع ما يكفي من الضرائب أو عدم احترام كل الحقوق.

وبينما نسعى لجعل اقتصاداتنا نحن تعود بالنفع على جميع مواطنينا - علينا أن نفعل ذات الشيء على المستوى العالمي. فنظرا لكون الاقتصاد عالميا بشكل متزايد، لا يكفي أن يلتزم الناس بالقواعد محليا في بلدانهم فقط. بل نحن بحاجة لتعاون عالمي لوضع وفرض قواعد عادلة حول التجارة والضرائب وتبادل البيانات. وهذه القواعد يجب أن تواكب الطبيعة المتغيرة للتجارة والتكنولوجيا.

وبالتالي نحن بحاجة لأن نعطي منظمة التجارة العالمية تكليفا واسعا وطموحا وعاجلا للمضي في الإصلاح. حيث علينا معالجة المجالات التي لا تحقق المرجوّ منها؛ والتعامل مع المسائل غير المشمولة حاليا؛ والحفاظ على الثقة في نظام يعتبر حيويا لأجل منع العودة إلى نظام الحماية الجمركية الفاشل الذي كان سائدا فيما مضى.

إن وجود قواعد عادلة ويحترمها الجميع ضروري لازدهار المؤسسات التجارية وللدفع بالنمو. لكن يتضح لنا من التاريخ الحديث أن ذلك لا يمكن له أن يستمر دون وجود شراكات أكثر عمقا ما بين الحكومات والشركات والمؤسسات المالية الدولية والمجتمع الدولي، وذلك لضمان أن يلبي النمو احتياجات الجميع.

لهذا السبب زرت مؤخرا أفريقيا - إلى جانب وفد من الشركات البريطانية - للترويج للتجارة والاستثمار، ولتشجيع شراكات جديدة تستند إلى تحقيق الازدهار المشترك والأمن المشترك.

ولهذا السبب أيضا شاركت على هامش هذه الجمعية العامة في استضافة اجتماع إلى جانب رئيس الوزراء ترودو، ورئيس الوزراء كاغامي، والرئيس أكوفو-أدو للدعوة إلى مزيد من الدعم للاستثمار وتوفير فرص العمل لشباب القارة الأفريقية.

ولهذا السبب كذلك ستواصل المملكة المتحدة التزامها بإنفاق 0.7 بالمئة من إجمالي الدخل المحلي على المساعدات التنموية الرسمية. كما سنضع ميزانيتنا التنموية في محور أجندتنا الدولية، وسنبذل مزيدا من الجهود لتوفير فرص العمل وتحسين المهارات وزيادة الاستثمار في الاقتصادات الناشئة - لما هو في مصلحتنا ومصلحتهم. حيث أن أفضل سبيل لمقاومة الحماية الجمركية هو ضمان أن يتسم هذا البلد بالأسواق المفتوحة التي تعود بالنفع حقا على الجميع.

ثانيا، علينا أن نبني بلدانا، وليس مجرد اقتصادات، تعمل لصالح الجميع – مجتمعات يكون فيها لكل مواطن حصة في المستقبل. تلك هي أساسات صلبة تُبنى عليها أمم قوية ومسؤولة. ولطالما علّمنا التاريخ أن إعطاء الأفراد حصة في المجتمع هو أفضل طريقة لضمان الاستقرار والأمن والنمو الاقتصادي.

ليس هناك طريقة وحيدة صحيحة لفعل ذلك. فعلى كل بلد أن يختار نهجه الخاص. إلا أن المبادئ الأساسية مشتركة في مختلف أنحاء العالم. وهي تشمل وجود حكومة شفافة ويمكن مساءلتها؛ وقضاء مستقل لتطبيق حكم القانون؛ وانتخابات حرة ونزيهة، وإعلام مستقل ومنفتح؛ وحرية التعبير، وحق التعويض، وحقوق ملكية تُطبق بشكل موثوق؛ والمساواة، وحرية الفكر والرأي والدين والضمير – وكلها منصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة، والذي تم توقيعه قبل 70 عاما.

على الذين يؤمنون منا بهذه المبادئ أن يكونوا القدوة في الدفاع عنها وتعزيزها داخل أوطانهم وخارجها. ولهذا السبب يتعين علينا أن نتصدى لخطاب الكراهية، ومعاداة السامية، والرهاب من الإسلام، وكافة أشكال التحيز والتمييز ضد الأقليات أينما وجدت.

وكالعديد من القادة، أظن أني لا أستمتع دائما بما تكتبه صحافة بلادي عني، إلا أني سأدافع عن حقهم أن يقولوا رأيهم – إذ أن استقلالية إعلامنا هي أحد أعظم إنجازات بلادي، وهي الأساس الصلب لديموقراطيتنا.

كما سأدافع أيضا عن الموضوعية والحيادية إزاء أولئك الذين يتعاملون مع الحقيقة على أنها مجرد رأي آخر لا بد من التلاعب به. وقد بات هذا التحدي أكثر تعقيدا مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والمعلومات على الانترنت. ولهذا السبب، اتفقنا في قمة مجموعة السبع في يونيو/حزيران أن نرفع وتيرة جهودنا للرد على المعلومات المضللة. ولهذا السبب أيضا فإننا، مع شركائنا وشركات التكنولوجيا، نتصدر الجهود الرامية لاستعادة الانترنت من الإرهابيين وغيرهم ممن يضمرون لنا الشر.

ومثلما علينا أن ندافع عن القيم التي نعتنقها، فإن علينا أيضا أن ندعم الدول والزعماء الذين يختارون اتخاذ الخطوات التي غالبا ما تكون صعبة نحو خلق مجتمع أكثر تمثيلا لكافة شرائحه. ستستخدم المملكة المتحدة كافة الوسائل التي بحوزتها لتحقيق ذلك.

فمن خلال ميزانيتنا للمساعدات، والتزامنا “بأهداف التنمية المُستدامة”، فإننا لن نحمي فقط الدول الضعيفة، بل أيضا سنقوّي الدول الواقعة تحت التهديد ونساعد الآخرين في الحفاظ على تقدمهم.

ومن خلال الحملات الدولية، سنساعد الدول على التخلص من بعض الآفات مثل الرق الحديث والعنف الجنسي في الصراعات.

كما سنقدم مزيدا من الدعم من خلال تحالفاتنا وعضويتنا في المنظمات متعددة الأطراف – ليس فقط الأمم المتحدة، بل أيضا المؤسسات المالية الدولية، ومجموعة الدول السبع، ومجموعة الدول العشرين، وحلف الناتو.

ومثلما لا توجد وصفة وحيدة لمجتمع شامل التمثيل، فليس هناك نموذج وحيد لإيجاد التوازن بين المتطلبات الديمقراطية لشعبنا وضرورة التعاون على المستوى الدولي.

لم يكن تصويت الشعب البريطاني لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي رفضا للعمل متعدد الأطراف أو للتعاون الدولي. بل كان طلبا واضحا لجعل اتخاذ القرار والمساءلة أقرب ما تكون إلى الوطن.

وأنا أعتقد أن دور القيادة في هذه الظروف واضح: ويتمثل في تلبية الرغبات الديمقراطية لشعبنا والتعاون الدولي بالعمل مع الحلفاء والشركاء في سعينا لتحقيق القيم المشتركة.

ثالثا، لا بد وأن تكون لدينا الإرادة والثقة للتصرف عندما تتعرض قوانيننا الأساسية التي نحيا بها للانتهاك.

ولا يُقصد بذلك تكرار أخطاء الماضي عن طريق محاولة فرض الديمقراطية على الدول الأخرى من خلال تغيير أنظمة الحكم.

ولكن يجب علينا ألا نسمح لتلك الأخطاء أن تمنعنا من حماية الشعوب في مواجهة أسوأ أشكال انتهاكات حقوق الإنسان وامتهان الكرامة الإنسانية. وعلينا ألا نسمح لتلك الأخطاء أن تشل المجتمع الدولي عندما تتعرض قواعده الراسخة للانتهاك. وإذا كنا قد عجزنا عن منع بعض من أسوأ الصراعات في وقتنا الحاضر، فعلينا ألا نسمح لذلك أن يُثنينا عن بذل كل الجهود الممكنة لضمان ألا تقع تلك الصراعات ثانية في المستقبل.

إذ أننا لو تراجعنا، فسنسمح أن يصبح العالم منقسما إلى مناطق نفوذ يسيطر فيها القوي على الضعيف، وتبقى فيها التظلمات المشروعة دون معالجة.

هذا ليس مجرد واجب أخلاقي. إنه أيضا مسألة مصلحة ذاتية. فعندما تُترك الأعمال البربرية والاعتداءات دون التصدي لها – تقوى شوكة الإرهابيين والحكام الدكتاتوريين. لذلك علينا أن نتحلى بالثقة لنتخذ الخطوات اللازمة.

عندما استخدم النظام السوري الأسلحة الكيميائية ضد شعبه ثانية في ابريل/نيسان، كانت بريطانيا وفرنسا وأمريكا، هي التي اتخذت عملا عسكريا لإضعاف الترسانة الكيميائية لدى النظام السوري وردعه عن استخدامها.

وعندما استخدمت روسيا غاز أعصاب سام في اعتداء مقزز في شوارع سالزبري في وقت سابق هذا العام، ردت المملكة المتحدة بالاشتراك مع حلف الناتو والإتحاد الأوروبي والحلفاء الآخرين بطرد ما يزيد عن 150 عنصر مخابرات روسي: وكان ذلك أكبر طرد جماعي على الإطلاق.

وفي بورما، وبعد أن صدر تقرير بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة الذي أدان حكومة بورما، علينا أن نُظهر نفس الثقة لتحميل المسؤولية لأولئك الضالعين في تلك الفظائع المروعة التي ارتكبها الجيش البورمي مرارا ضد مجتمعات الروهينغا والشان وكاخين منذ 2011.

وبالمثل، ينبغي علينا أن نجمع الأدلة على جرائم داعش في كافة أرجاء العالم لضمان تحقيق العدالة لضحاياهم وردع أولئك الذين قد يرتكبون مثل هذه الجرائم في المستقبل.

إلا أن المساءلة بحد ذاتها ليست كافية. فعلينا أن نفعل المزيد بشكل جماعي للحيلولة دون وقوع تلك الفظائع أصلا، ولمعالجة أسباب عدم الاستقرار الذي قد يؤدي إلى ظهورها.

للأمم المتحدة دور حيوي تؤديه. ولديها نطاق واسع من المقومات لفعل ذلك، من العقوبات الاقتصادية – والتي تُظهِر لزعماء إيران وكوريا الشمالية أن أفعالهم لها تبعات – إلى بعثات حفظ السلام مثل تلك التي في جنوب السودان والتي تُسهم في منع المعاناة وانهيار القانون والنظام.

ولكن لكي تتمكن الأمم المتحدة من الاعتماد بصورة فعالة على هذه المقومات، يتوجب على مجلس الأمن أن تكون لديه الإرادة السياسية للتصرف بما يخدم مصالحنا المشتركة. وعلى وكالات الأمم المتحدة أن تحقق الإصلاحات التي بدأها الأمين العام – لكي تصبح أكثر مرونة وأكثر شفافية وأفضل تنسيقا على الأرض. ولدعم تلك الإصلاحات، علينا أيضا أن نضمن توجيه التمويل الملائم تحديدا إلى وكالات الأمم المتحدة التي تحقق النتائج المرجوة.

منذ 70 سنة خلت، أقرت الجمعية العامة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وعلينا اليوم أن نجدد المثُل والقيم التي بني عليها ذلك الإعلان.

وعندما نفعل ذلك، علينا أن نتعلم دروس الماضي ونُظهر من خلال أعمالنا كيف أن التعاون بين الدول القوية والمسؤولة ذات الاقتصادات المنفتحة والمجتمعات شاملة التمثيل هو أفضل أسلوب لتحقيق الأمن والازدهار لكافة شعوبنا.

كما قال كوفي عنان في مستهل الفترة الثانية في منصبه كأمين عام: “لقد سعيت لأن أنظر بعين لا ترف إلى أخطاء ماضينا القريب لكي اُقيّم بوضوح أكبر ما علينا أن نفعله كي ننجح في المستقبل”.

بهذه الروحية، دعونا نُظهر تصميما لا يلين لتجديد العهد بتحقيق الحرية والفرص والإنصاف. وهو عهد قد تحقق لشعوب وفي دول أكثر من أي وقت مضى في تاريخنا. ودعونا نضمن أن ذلك العهد يُمكن أن يتحقق لأبنائنا وأحفادنا ولكل الأجيال القادمة.

تاريخ النشر 26 September 2018