خطاب

"لا يمكن للكلمات وصف ما يجري حاليا في حلب"

كلمة الممثل البريطاني الدائم لدى الأمم المتحدة، ماثيو رايكروفت، في الجلسة الطارئة بشأن سورية.

Matthew Rycroft in UNSC

ما هو المطلوب؟ تعيش سورية في غمرة صراع مخيف وقد يكون القادم أسوء بكثير. وقد دعت المملكة المتحدة وفرنسا إلى هذه الجلسة الطارئة نظراً لأن شرق حلب والمناطق المحاصرة الأخرى تواجه اليوم أعماقا جديدة من الأزمة.

من الجائز أن يحكم التاريخ على هذا الصراع بأنه ربما كان الأسوأ في عصرنا. فقد واجهنا أهوالا من قبل. ونحن إلى جانب من سبق لهم أن جلسوا على هذه المقاعد ذاتها قبلنا أصدرنا فيما بيننا ما يزيد عن ألفين وثلاثمئة وواحدٍ وعشرين قرارا. أي أن أعلى سلطة في العالم أصدرت ألفين وثلاثمئة وواحداً وعشرين مرسوما خاصا بالأمن والسلام العالميين. وأرسلنا قوات حفظ سلام إلى مناطق الحروب. وأوقفنا صراعات. وتحدّينا أوضاعا غير عادية، وجسرْنا انقسامات، واستجبنا لنداءات إنسانية طوال سبعة عقود متتالية.

أما بالنسبة لسورية، وبعد أكثر من خمس سنوات من القتال، وبعد موت ما يقرب من نصف مليون إنسان، وبعد نزوح 11 مليون شخص عن منازلهم، ومع وجود مليون شخص تحت الحصار، فها نحن نجلس في هذه القاعة اليوم وسط عجز هذا المجلس عن التصرف.

يتساءل ستيفن أوبرايان عن السبب. والجواب بسيط. فقد استخدمت روسيا الفيتو (حق النقض) المرّة تلو المرّة لمنع مجلس الأمن من إيجاد الوحدة اللازمة لإنهاء هذه الحرب. وعليه فإنني أسأل بدوري مجددا: ما هو المطلوب؟

لقد اجتمعتُ بأفراد من المجتمع المدني السوري. والتقيت جماعات إغاثة محايدة، من الصليب الأحمر الدولي، ومن أطباء بلا حدود. والتقيت بأطباء عالجوا الجرحى في مستشفيات ميدانية مؤقتة في حلب. وقالوا لي ما يمكن لكم أن تتوقعوه: القصف هو السبب المباشر لأكبر عدد من القتلى. ولوقف سقوط قتلى يجب وقف القصف.

إلا أن أعداد القتلى التي نتحدث عنها هي مجرد ما يمكن لنا أن نحصيه اليوم. وما يكمن تحت السطح، رغم صعوبة تخيله، أهوال أكبر كثيرا؛ أهوال قد تكون أوسع نطاقاً. إنه عذاب الموت البطيء والمؤلم.

هذا هو ما تتحدث عنه الأمم المتحدة عندما تطلعنا على وضع المناطق المحاصرة في سورية.

أصبح موضوع الحصار بنداً عاديا من بنود جدول المحادثات حين يناقش هذا المجلس أزمة سورية. لا يمكننا البدء في النظر إلى الحصارات على أنها أمر عادي تقريبا، وأنها واقع بسيط. ربما كانت جزءاً عاديا من الحرب في سورية، ولكن يمكن وصفها بأي وصف باستثناء أنها عادية. فالواقع أنها فعل متعمّد للتجويع والحرمان المقصود من الرعاية الطبية.

دأب النظام السوري وروسيا على تنفيذ خطة أسفرت حتى الآن عن وضع مليون إنسان تحت الحصار. ولا شك في أن كلمة تنفيذ جاءت في محلها تماما. ذلك أنه بدون تغيير في السياسة، وبدون تغير في النوايا، فإن هذا هو بالضبط ما سوف يحدث - تنفيذ حكم بطيء وقاسٍ ومرير في مليون سوري، قُطعت عنهم قوافل المساعدات الإنسانية، وعُزلوا عن بقية العالم.

لدى الأمم المتحدة خطة لإيصال المساعدات الإنسانية. وهي ليست خطة للمعارضة. ليست مصممة لمساعدة طرف على حساب آخر. هدفها الوحيد إنقاذ الأرواح ورفع المعاناة. وكما قال ستيفن، فإن قوافل المساعدات جاهزة للتحرك، غير أنها بحاجة إلى تصاريح من النظام، وهي تصاريح ما انفك النظام يرفض إعطاءها بشكل منهجي.

هذه هي الأمم المتحدة. الهيئة المحايدة التي ترنو إليها أنظار العالم في أحلك الأوضاع. وروسيا عضو أساس في الأمم المتحدة وركن مهم لإيجاد حل للصراع في سورية في نهاية المطاف. إذن لماذا لا تستطيع روسيا والنظام السوري الموافقة على خطة الأمم المتحدة الخاصة بالمساعدات الإنسانية؟

قالا في البداية إن السبب هو الإرهاب. ثم ذكّرناهما بأن 100,000 طفل لا يمكن أن يكونوا إرهابيين. ثم قالوا إن السبب هو المعارضة. حسنٌ، وافقت المعارضة الآن على خطة الأمم المتحدة الخاصة بشرق حلب. فما هي الحجّة اليوم إذن؟

ما هي الحجة في استخدام أسلوب الحصار الذي يعود إلى العصور الوسطى؟ ما هي الحجة في مواصلة القصف؟ وفي إسقاط القنابل بشكل مقلق للغاية فوق منازل الأطفال والعائلات؟ وما هي الحجة في استمرار مباركة جرائم الحرب؟

إن مدينة حلب القديمة، كما نعرفها، توشك أن تُمسح تماما اليوم عن وجه الأرض. نتحدث اليوم عن الوصول إلى من بقي فيها من أهاليها. وغدا قد لا تكون هناك حلب كي نصل إليها. وإذا ما حدث ذلك، فإن حجج وأعذار النظام السوري وروسيا ستكون قد لعبت دورا أساسيا.

اسمحو لي أن أتحدث بوضوح تام هنا عما يجب فعله في حلب.

أولا، يجب وقف إطلاق النار فورا لإعطاء المدنيين فترة لالتقاط أنفاسهم من القنابل وإتاحة فرصة لدخول المساعدات الإنسانية.

ثانيا، يجب على روسيا والنظام أن يوافقا - كما فعلت جماعات المعارضة المسلحة - على التعاون مع الخطة الإنسانية الأممية ذات النقاط الأربع.

ثالثا، يجب السماح للسوريين الذين يريدون الرحيل بأن يخرجوا بسلام، إلى المناطق التي يختارونها هم، وتحت حماية تضمنها هيئة رقابة محايدة. اليوم، حيث تصلنا تقارير الآن تفيد بأن النظام السوري يقصف العائلات السورية الهاربة من حلب على الأقدام حاملة معها حوائجها. وإنني أطلب من روسيا والنظام التعهد لهذا المجلس اليوم بعدم مهاجمة المدنيين أثناء رحيلهم عن حلب. حيث إن تعمد استهداف المدنيين في مثل هذه الأوضاع يعتبر جريمة حرب، ولسوف نحاسب المسؤولين عنها.

لا يمكن للكلمات وصف ما يجري حاليا في حلب. لقد سمعنا كلاما عن “دائرة جهنم” و”منطقة قتل” و”مقبرة ضخمة”. وفي داخل منطقة القتل ودائرة جهنم تلك هناك مئة ألف طفل.

لقد أشبعنا هذا الموضوع نقاشا ولوقت طويل. شاهدتم العناوين والصور وتسجيلات الفيديو. عودوا بالذاكرة إلى وجه آخر مدني سوري رأيتموه. الحقيقة المرعبة هي أن قدَر العديد منهم أن يصبحوا أرقاما إحصائية. ولعلّ هذا هو ما حصل لهم فعلا. رقم آخر في حصيلة الموتى. شخص آخر على قائمة الأمم المتحدة بعدد من يعانون من المجاعة في حلب. إحصائية أخرى في عنوان عريض يقول: “موت 7 أطفال في قصف مدرسة.”

لقد اعتدنا على إعداد هذه الإحصائيات وعلينا أن نتخلص من هذه العادة. تقدمت مصر ونيوزيلندا وإسبانيا بمشروع قرار معقول للغاية تدعو فيه إلى وقف إطلاق النار لمدة عشرة أيام، يتوقف خلالها القصف ويُسمح بدخول المساعدات. لا بدّ أن يجري تصويت على هذا المشروع في أقرب فرصة ممكنة. وإذا لم يحدث التصويت اليوم فإنني أدعو المجلس إلى الاجتماع مرة أخرى قبل نهاية هذا الأسبوع لاستعراض الأوضاع في حلب، وكي نتحرك سريعا لتبني هذا القرار المقترح حتى يتسنى وقف إطلاق النار والتطبيق الكامل لخطة الأمم المتحدة الخاصة بالإغاثة الإنسانية.

تاريخ النشر 30 November 2016