خطاب

كلمة الوزير ميتشل في مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية

وزير شؤون التنمية آندرو ميتشيل ألقى كلمة بمناسبة إطلاق مشروع بمركز أكسفورد للدراسات الإسلامية حول "الصحة العامة والعلوم والتكنولوجيا في المجتمعات الإسلامية".

The Rt Hon Andrew Mitchell MP

أصحاب السعادة، الضيوف الكرام، السيدات والسادة،

السلام عليكم.

يشرفني ومن دواعي فخري أن أخاطب مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية تحت رئاسة مديره الملهم فرحان وأيضا تحت صاحب السمو الملكي تركي الذي يقدم مساهمات رائعة لقيادة مركز أكسفورد. وآمل أن تتقبلوا مني هذه التحية، لا سيما وأنها تأتيكم من خريج جامعة كامبريدج.

إننا نعيش في أوقات غير عادية. فنحن أكثر أماناً وثراءً وأطول عمراً من أي وقت مضى في تاريخنا، لكننا نواجه أيضاً تهديدات وجودية، من تغير المناخ إلى الأوبئة، ومن أسلحة مدمرة إلى هجمات إلكترونية.

وثلاثون سنة من التقدم الإنساني الهائل ما بين 1990 و2020 يشهد تراجعا كبيرا حاليا، ذلك مرجعه جزئيا إلى جائحة كوفيد، وأيضا عوامل أخرى كالغزو غير القانوني لأوكرانيا وتداعيات ذلك على سلسلة الغذاء، وأثره على التضخم في بلدان شديدة الفقر، وذلك يعني بأن العجلات التي كانت تمضي للأمام بنجاح بدأت الآن في التراجع، وعلينا أن نفعل شيئا لوقف ذلك التراجع.

في زيارتي إلى تركيا في الشهر الماضي، حيث تقدم المملكة المتحدة مساعدات منقذة للأرواح في أعقاب الزلزال المدمر، شاهدت بنفسي كيف تتغير الأمور بسرعة وبشكل مأساوي.

علينا مواجهة هذه التحديات وجهاً لوجه، من أجل الأجيال القادمة، والتعاون عاملٌ أساسي لتحقيق ذلك.

وقد تحدث سير إسحق نيوتن عن الوقوف على أكتاف العمالقة، وعبر تاريخنا الجماعي أحرزنا تقدماً مذهلاً من خلال التعلم المشترك والتعاون في حقول العلوم والتكنولوجيا.

في أوائل العصور الوسطى، ساعد الازدهار الفكري الفائق في العالم الإسلامي في تشكيل المشهد العلمي الذي نعرفه اليوم. وقد سمعنا بعض الأمثلة عن ذلك بعد ظهر اليوم.

فقد كان لدور ومعاهد مثل بيت الحكمة في بغداد ونظيراتها في دمشق والقاهرة وفاس، دور بترجمة نصوص من اليونان وروما والهند وبلاد فارس وغيرها.

لقد جلبوا رؤى واكتشافات مذهلة غيّرت بشكل جذري فهمنا لكل شيء، من الرياضيات إلى الطب، ومن الفيزياء إلى البصريات، ومن علم الفلك إلى العالم الطبيعي.

ومن خلال أروقة العلم متعددة الأديان والأعراق في باليرمو وتوليدو وقرطبة، حفزت هذه الأفكار انطلاق عصر النهضة الأوروبية.

وباتت التحديات التي نواجهها اليوم تتطلّب هي أيضاً روحاً مماثلة من الشغف بالمعرفة والتعاون.

وكما في الماضي، نتطلع الآن إلى مستقبل من الشراكة مع العالم الإسلامي، وفرص تمتدّ من البراعم إلى المستوى العالمي.

وإنني أتطلع بكل تأكيد إلى الترحيب بأصدقائنا السعوديين، باعتبارنا اثنين من أكبر مقدمي المساعدات الإنسانية، في زيارتهم إلى لندن في الأسبوع المقبل لحضور الحوار السنوي الأول رفيع المستوى بشأن المساعدات.

حيث يمكننا معا إيجاد فرص جديدة للتعاون للاستجابة للاحتياجات التنموية والإنسانية المتنامية.

أنتقل الآن إلى مقاربتنا في المملكة المتحدة

على مدى السنوات الخمس والعشرين الأخيرة على وجه الخصوص، استثمرت المملكة المتحدة بشكل كبير جداً في دعم شركائنا لتحسين التعليم والصحة والبيئة، من أفغانستان إلى نيجيريا، ومن بنغلاديش إلى غامبيا.

وقد درس عشرات الآلاف من الطلاب المسلمين في المملكة المتحدة من خلال بعثات تشيفننغ والمجلس الثقافي البريطاني، وعادوا إلى بلادهم لإثراء مجتمعاتهم بما تعلموه.

وقبل أسبوعين ذهبت في زيارة إلى الأردن، حيث شاهدت بنفسي كيف يساهم الدعم البريطاني 150,000 طفل سنويا للحصول على تعليم جيد.

لكن من الواضح أن النماذج التقليدية للتعاون والمساعدة والتنمية لم تعُدْ تلبي احتياجات العالم المعاصر.

لذا أود اليوم أن أتحدث عن رؤيتنا للسنوات القادمة، وهي رؤية يقوم فيها أصدقاؤنا من جميع أنحاء العالم الإسلامي بدور حيوي.

إنها رؤية تضع العلم والتكنولوجيا في صميم عملنا، مع كل ما تجلبه من فوائد لكل من الازدهار والأمن.

رؤية تجمع ما بين القوة والصمود، تعزز دفاعاتنا وترفع مستوى استجابتنا لتغير المناخ والتهديدات الصحية العالمية.

عندما يتعلق الأمر بتغير المناخ، يجب علينا العمل معاً بالطبع، وبأكبر قدر من السرعة.

وقد شهدنا مؤخّراً الآثار المدمرة في جميع أنحاء كوكبنا، من درجات الحرارة الحارقة والعواصف الترابية في أنحاء الخليج، إلى الحرائق في الجزائر والفيضانات الكارثية الجارفة في باكستان وإندونيسيا.

كذلك خلال زيارتي مؤخرا إلى النيجر، وهي واحدة من أكثر بلدان العالم فقرا، شاهدت الآثار المذهلة لتغير المناخ على الأمن الغذائي، حيث في كل يوم **.

وهكذا، فإن مصر والإمارات العربية المتحدة، بصفتهما المضيفتين لمؤتمري الأمم المتحدة للتغير المناخي 27 و28 على التوالي، لم تكتفيا بالاستفادة من نفوذ قيادتهما وشبكاتهما فحسب، بل استندتا على أسس الإدارة البيئية الراسخة عميقاً في الدين الإسلامي.

وقد رأينا ذلك في عام 2015، عندما جمع مفكرون بارزون ما بين المبادئ الإسلامية والعلمية لصياغة الإعلان الإسلامي بشأن تغير المناخ، ودعوا جميع الدول إلى الالتزام بالوصول بالانبعاثات الكربونية إلى الصفر - والمساعدة في إرساء الأساس لاتفاق باريس.

وبعد ست سنوات، انضم قيادات الدين الإسلامي إلى نظرائهم من الأديان الأخرى في التوقيع على “نداء الإيمان والعلم لقمة العمل المناخي 26”، لتسليط الضوء معاً على العمل المهم الذي يمكن للقادة المسلمين ومؤسساتهم القيام به لبناء جسر بين العلم والإيمان، والوفاء بما قطعوه على أنفسهم من التزامات.

بالنسبة للمملكة المتحدة، الشراكات مع الدول الإسلامية لها دورٍ حيوي في عملنا لحماية كوكب الأرض وترميم الطبيعة.

أحد الأمثلة الرائعة على ذلك عملنا مع الأردن ومصر والمغرب وتونس لدعم مصادر الطاقة المتجددة والصناعة الصديقة للبيئة ووسائط النقل النظيف، مثل الحافلات الكهربائية في عمان التي تحدّ من التلوث والازدحام.

ويتمّ هذا كله بدعم قدره 25 مليون جنيه إسترليني في شكل تمويل مناخي من المملكة المتحدة.

أما في إندونيسيا، فلدينا “شراكة انتقال الطاقة العادلة” التي تعمل على تعزيز الابتعاد عن الوقود الأحفوري العمل نحو الاقتصاد الصديق للبيئة، وإطلاق المليارات من التمويل الخاص للبنية التحتية الجديدة.

أنتقل الآن للحديث عن مسألة الصحة العامة

إلى جانب تغير المناخ، كانت جائحة كوفيد-19 بمثابة تذكير صارخ آخر بالترابط ما بين السلامة الشخصيّة والأمن القومي والازدهار العالمي.

إننا نعتمد جميعا على مجتمعات صحية ومنتجة – ولا يمكننا تحقيق ذلك بدون أنظمة صحية قوية وتخدم الجميع.

لهذا السبب تقف المملكة المتحدة في طليعة الجهود الرامية لتحقيق ذلك، إلى جانب شركائنا العالميين.

فجامعة أكسفورد تعمل من خلال تعاون وثيق مع مؤسسات أكاديمية أخرى، من بينها جامعتا زايد وخليفة في الإمارات العربية المتحدة، لدعم الجهود الرامية لمكافحة مقاومة مضادات الميكروبات والأمراض المعدية.

وفي اليمن، بادرت المملكة المتحدة، بالتعاون مع اليونيسف، إلى استخدامٍ رائد لصور الأقمار الصناعية للتنبؤ بمخاطر انتشار الكوليرا ومن ثَمَّ التدخل بسرعة.

وفي يناير، رأيت بنفسي الجهود الحيوية بشأن اللقاحات والاختبارات الخاصة بمرض كوفيد وغيره من الأمراض الفتاكة بمعهد باستور في داكار في السنغال، وهو معهد عالمي المستوى تدعمه المملكة المتحدة ومساهمات من شركات بريطانية وكورية جنوبية.

وقد عدت من السنغال وأنا أشعر بالحيوية والتفاؤل.

رأيت هناك بنفسي الدور الذي تلعبه مراكز الأبحاث بالشراكة مع مؤسسات من القطاعيْن العام والخاص، حيث تعمل معاً لمعالجة أكبر المشكلات العالمية التي نواجهها اليوم.

وإنني أعرف أصدقاء لي في هذه القاعة ممّن يرون ذلك بنفس الوضوح، ولهذا السبب يستثمر الكثير منكم بكثافة في التعليم والعلوم والتكنولوجيا.

ونحن نعلم أنه من الأهمية بمكان تسخير كل القدرات العقلية والخبرات التي لدينا، في جميع فئات المجتمع.

وأكثر ما ينطبق ذلك في قطاع التكنولوجيا، حيث يزخر بالحلول الكامنة غالباً خارج أروقة الحكومة، وعادة تدعمها مؤسسات خيرية.

لهذا السبب يسعدنا أن نرى الشراكة المتطوّرة بين مؤسسة قطر ورولز رويس لتطوير العمل في مجال تكنولوجيا المناخ في المملكة المتحدة وقطر، التي زرتها يوم الأحد، وهو ما يساهم في استحداث آلاف الوظائف والفرص الجديدة للمستثمرين العالميين.

لا يمكن حل مشاكل عالم اليوم بالمال وحده، لذا تكمن الإجابات في تبادل الخبرات العلمية والتكنولوجية، وفي الاستثمار في شبكات الأعمال والتجارة في البلدان حول العالم، بما في ذلك العديد من أصدقائنا الحاضرين هنا اليوم في هذه القاعة الرائعة.

هذه هي الطريقة التي نقدم فيها أذكى الاستثمارات ونجد أفضل الأشخاص وأكثرهم براعة للخروج بالحلول، وهذه هي الطريقة التي نعالج بها أوجُه عدم المساواة ونعزز الفرص.

اسمحوا لي أن أذكر لكم مثالين فقط من المشاريع التي ترعاها الحكومة البريطانية مع الأصدقاء حول العالم.

الأول هو برنامج الزمالة البريطانية-الخليجية للنساء في الأمن الإلكتروني، حيث تدعم النجوم الصاعدة في العالم الإلكتروني في دول الخليج نماذج نسائية إيجابية يُحتذى بها، تشجع التعلم من الأقران، وتعزز التعاون في المجال الإلكتروني بين بلدانهن والمملكة المتحدة.

والمثال الثاني في باكستان، حيث تعاونت المملكة المتحدة مع مؤسسة سيهات كاهاني، وهي منصة طبابةٍ عن بُعد إدارتها نسائية توفر الرعاية الصحية للاجئين الأفغان والنازحين، وخاصة الفتيات والنساء.

ولا ينحصر استخدام هذه المنصة لتكنولوجيا ذكية فقط في مساعدة المرضى على الحصول على أفضل رعاية ممكنة، بل إنها توفر أيضاً فرص عمل لأكثر من 5,000 طبيبة.

إن من شأن أمثلة كهذه أن تذكرنا بمدى سرعة تغير التكنولوجيا - ومدى أهمية تسخير قوتها، إلى جانب القوة التي تأتي من العمل في شراكة مع الآخرين.

وفي الختام، أصحاب السعادة، من هنا أشعر بحماس شديد لإمكانيات هذا المشروع البحثي الجديد، ويسعدني الاحتفال بإطلاقه اليوم.

ففي عالم لا تنقصه الانقسامات، هل هناك طريقة لبناء الجسور أفضل من التعاون؟

لقد سبق لنا أن أحرزنا معاً تقدماً كبيراً، وسيجد هذا المشروع العديد من الفرص في مجالات الصحة والعلوم والتكنولوجيا؛ فرص للتغلب على التحديات الضخمة التي نواجهها، وبناء عالم أكثر صحة وأماناً وازدهاراً لأطفالنا وأحفادنا، حيث يُنتظر ولادة أول أحفادي في غضون تسعة أسابيع من الآن.

شكراً جزيلا لكم.

تاريخ النشر 7 March 2023